تركيا تصنع سلاحها بيديها
تركيا تصنع سلاحها بيديها.. من محاولات لكسر القيود الغربية إلى ثورة الصناعات الدفاعية والاقتراب
من الاكتفاء الذاتي وتصدير الأسلحة.
هذا العام تحتفل تركيا بالعيد المئوي لميلاد الجمهورية في 1923 بأكثر من إنجاز، لكن الإنجاز اللافت
هو اقترابها من تحقيق الاستقلال في الصناعات الدفاعية.
الجيش التركي الذي كان يشتري 20% فقط من احتياجاته من المصانع المحلية في 2002، اشترى
من مصانع بلاده نحو 80% في 2022.
كانت العقوبات الغربية لمنع بيع السلاح لتركيا إبان حرب قبرص عام 1974 هي الشرارة الأولى
لبدء برنامج وطني مختص بالصناعات الدفاعية الحربية في تركيا.
وكانت “رؤية 2023” التي يتبناها الحزب الحاكم هي الأساس الاستراتيجي لبناء صناعة دفاعية
قوية، وجعل البلاد قوة مستقلة لا يمكن تجاوزها لدى مرور 100 عام من تأسيس الجمهورية.
ومنذ بداية الألفية حتى نهاية 2022 ارتفعت حصة بحث وتطوير الصناعات الدفاعية من
49 مليون دولار إلى 1.5 مليار دولار.
هكذا اقتربت تركيا من تحقيق حلم الاستقلال في إنتاج السلاح.
وهكذا باتت تركيا منذ عام 2000 دولة منتجة لمعظم أسلحتها.
تعود بداية المحاولات التركية في الصناعات الدفاعية لعام 1965، مع بدء الخلاف بشأن
القضية القبرصية.
وقتها فرضت واشنطن على أنقرة حظر تصدير السلاح بين عامي 1975 و1978، وهو
ما دفع أنقرة لوضع خطط لتطوير صناعتها العسكرية بوتيرة سريعة، وذلك بغرض
القطيعة من الارتهان للاستيراد في تلبية حاجياتها العسكرية.
وجاءت الخطوات الكبيرة بعد عام 1985 فيما يتصل بالتحول للصناعة العسكرية الدفاعية،
والتي وفرت بداية ما نسبته 18% فقط من احتياجات الجيش التركي، فيما يتم استيراد النسبة المتبقية.
وفي عام 1988، تم تأسيس شركة تصنيع الصواريخ، وشركات عديدة أخرى، بهدف تحويل
تركيا منذ عام 2000 إلى دولة منتجة لمعظم أسلحتها.
واصلت الصناعات الدفاعية تقدمها.
احتلت تركيا المرتبة الـ16 في ترتيب الدول الأكثر إنفاقاً على الميزانية العسكرية في 2019،
في حين زاد الإنفاق العسكري بنسبة 86% بين 2009-2019 ليصل إلى 20.4 مليار دولار.
واحتلت تركيا المرتبة الـ16 في ترتيب الدول الأكثر إنفاقاً على الميزانية العسكرية
عام 2019، في حين زاد الإنفاق العسكري بنسبة 86% خلال السنوات العشر الماضية
بين 2009-2019 ليصل إلى 20.4 مليار دولار.
اقرأ أيضا | “المسيرات” أداة لتوسيع نفوذ تركيا بالقارة الأفريقية
ونتاجاً للجهود المبذولة من الحكومة التركية من خلال تشجيع الشركات على الاستثمار
في برامج البحث والتطوير دخلت 7 شركات دفاعية تركية قائمة أفضل 100 شركة
صناعة دفاعية في العالم، حسب المجلة الأمريكية (Defense News Top 100)
لعام 2020، نستعرضها تباعاً بهذا التقرير.
أسيلسان ASELSAN | تركـيا تصنع سلاحها بيديها
معمل الابتكارات الإلكترونية
أسسها الجيش التركي عام 1975 كشركة مساهمة عامة، تمتلك مؤسسة القوات
المسلحة التركية (TSKG) ما نسبته 74.2% من أسهم الشركة في حين يجري تداول
25.8% من الأسهم المتبقية في بورصة إسطنبول (BIST).
“أسيليان” أكبر شركة تركية متخصصة في مجال الصناعات الإلكترونية الدفاعية،
وتمد الجيش التركي داخلياً وخارجياً بأحدث منظومات الاتصال الحربية وأجهزة الرادار
الحديثة والمتطورة وأنظمة الرؤية الليلية، بالإضافة إلى أنظمة الدفاع الجوي وأجهزة
التشويش والتنصت، كما تنتج أنظمة التحكم والقيادة عن بعد للمركبات والطائرات
الحربية. ودخلت مؤخراً مجالات الأتمتة والمرور والتقنيات الصحية.
وبلغت ميزانية الشركة عام 2019 مليارين و 172 مليون دولار، وتحتل المرتبة الـ48
في قائمة أفضل 100 شركة صناعة دفاعية في العالم.
توساش TUSAŞ | تركيا تصنع سلاحها بيديها
مقاتلات ومسيرات وطائرات تدريب
تأسست شركة صناعة الطائرات التركية “توساش” عام 1973، وتُقسم حصص الشركة
بين ثلاث مؤسسات تركية كالتالي:
- 54.49% لمؤسسة القوات المسلحة التركية.
- 45.45% لرئاسة الصناعات الدفاعية (SSB).
- و0.06% لجمعية الطيران التركي (THK).
ومن أبرز ما تُصنّعه “توساش” طائرات التدريب ومنها (HÜRKUŞ) والطائرات المسيرة
(IHA) و(ANKA) وكذلك الأقمار الصناعية لمختلف الاحتياجات.
كما تنتج 80% من جسم الطائرات المقاتلة (F-16).
وتشارك ببرامج تصنيع الطائرات الحربية وتعديلها وتطويرها بالتعاون مع الشركات
الأمريكية والأوروبية للعديد من الدول كمصر والأردن وباكستان.
وبلغت مساهماتها في مجال الطيران المدني 18% العام الماضي من إجمالي صناعاتها.
بالإضافة أيضاً إلى المقاتلة المحلية وطائرات الهليكوبتر أمثال (GÖKBEY) والمروحية
الهجومية (ATAK)، صنع فرع صناعة محركات الطائرات بالشركة (TEI) ومنذ أيام قليلة
من الشهر الجاري أول محرك توربيني تركي خاص بطائرات الهليكوبتر بإمكانيات تركية بحتة.
وبلغت ميزانية الشركة في 2019 ملياراً و858 مليون دولار، واحتلت المرتبة الـ 53 في
تصنيف المجلة الأمريكية لهذا العام.
بي إم سي BMC دبابات القتال | تركيا تصنع سلاحها بيديها
تأسست عام 1964 كإحدى أكبر الشركات المصنعة للمركبات العسكرية والتجارية
في تركيا، إذ إن 5% من أسهم الشركة مملوكة من قبل رجليْ الأعمال التركيين “أدهم
سانجك وطالب أوزتورك”، والـ49% المتبقية مملوكة من قبل اللجنة الصناعية للقوات
المسلحة القطرية (QAFIC).
بدأت الشركة الإنتاج الضخم لـ250 وحدة من دبابة القتال التركية (ALTAY)، كما تقوم
بتصميم وإنتاج لمحركات محلية الصنع للدبابات والمركبات المدرعة. وتُنتج الشركة
المركبات العسكرية المدرعة كـ(KIRPI) و(AMAZON) والشاحنات العسكرية المتعددة
المهام بالإضافة إلى الحافلات التجارية المختلفة أيضاً.
بلغت ميزانيتها 533 مليون دولار فيما احتلت المرتبة الـ89 بين كبرى شركات صناعة السلاح.
روكتسان ROKETSAN | تركيا تصنع سلاحها بيديها
الصواريخ والقذائف بكل الأشكال
تأسست عام 1988 بهدف تلبية احتياجات الصواريخ والقذائف للقوات المسلحة
التركية. وتملك مؤسسة القوات المسلحة التركية (TSKGV) من الشركة 55.5%، بينما
بقية الأسهم مقسمة بين شركات تركية أخرى.
تُنتج الشركة الصواريخ والقذائف بكل الأشكال والأحجام بالإضافة إلى أنظمة الدفاع
الأرضي والجوي والبحري، كما تصمم وتبتكر العديد من الصواريخ الذكية الموجهة
بالليزر والمستشعرات الحرارية، إلى جانب توسُّعها بالمجال الفضائي وتطويرها
لصواريخ خاصة لإيصال الأقمار الصناعية إلى الفضاء.
وصلت المرتبة 91 بين أفضل 100 شركة صناعة دفاعية، وبلغت ميزانيتها للعام
الماضي 515 مليون دولار.
إس تي إم STM
هندسة الأمن السيبراني
تأسست عام 1991 لتوفير خدمات إدارة المشاريع وهندسة الأنظمة ونقل التكنولوجيا
وحماية الشبكات والدعم الفني واللوجستي والخدمات الاستشارية.
تعمل الشركة في مجالات متعددة واسعة، بما في ذلك تصميم القطع العسكرية
البحرية وتحديثها والأمن السيبراني والأنظمة المستقلة وأنظمة الرادار وتقنيات الأقمار
الصناعية وأنظمة التحكم، بالإضافة إلى طائرات الدرون مثل (TOGAN) و(KARGU)
ونظام الذخيرة المحمول ثابت الجناح (ALPAGU). كما تُنتج حلولاً لاحتياجات القطاع
العسكري المدني من خلال الأنظمة الفريدة والحاسمة التي طورتها باستخدام الموارد المحلية.
احتلت هذا العام المرتبة 92 في تصنيف أفضل 100 شركة صناعة دفاعية، في
حين بلغت ميزانيتها للعام الماضي 485 مليون دولار.
إف إن إس إس FNSS | تركيا تصنع سلاحها بيديها
المركبات القتالية المدرعة
تأسست عام 1988 لتصنيع وتوريد المركبات القتالية المدرعة وأنظمة الأسلحة
للقوات المسلحة التركية والقوات المسلحة المتحالفة، وهي مملوكة حالياً لشركة
(Nurol Holding) التركية بنسبة 51% وشركة (BAE System) البريطانية بنسبة 49%.
بدأت الإنتاج منذ عام 1990، ومنذ ذلك الوقت حتى الآن جرى تصنيع أكثر من 4000 مدرعة،
ومن أشهر النماذج المدرعة (KAPLAN) و(AKINCI) وأحدثها، وكذلك المركبة البرمائية
(SAMUR SYHK) والعديد من المركبات القتالية العاملة بالسلاسل أو العجلات
فيما بلغت ميزانية الشركة عام 2019 ملياراً و374 مليون دولار، واحتلت المرتبة الـ98.
هافلسان HAVELSAN
تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
تأسست عام 1982 من قبل القوات الجوية التركية لصيانة الرادارات عالية
التقنية. وتستحوذ مؤسسة القوات المسلحة التركية (TSKGV) على 98% من أسهم الشركة.
تقدم حلولاً متكاملة لعملائها من خلال منتجاتها في قطاعات التحكم وتقنيات
التعليم والمحاكاة، وكذلك في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بالإضافة إلى
حلول الأمن الداخلي والأمن السيبراني.
حلّت الشركة في المرتبة الـ99 ضمن تصنيف المجلة الأمريكية.
الجيش التركي يحصد ثمار “ثورة التصنيع”
تعلّمت تركيا الدرس باكراً منذ الحرب في قبرص عام 1974 من القرن الماضي،
وأدركت من وقتها ألا دولة دون قوة عسكرية وصناعات دفاعية تحقق لها الاكتفاء
الذاتي وتتجاوزه نحو التصدير.
قررت تركيا تطوير صناعتها العسكرية بوتيرة سريعة، وذلك بغرض القطيعة من الارتهان
للاستيراد في تلبية حاجياتها العسكرية.
ثم شهدت هذه القناعة التركية منعطفاً مع الرئيس رجب طيب أردوغان الذي سعى
للاستفادة من القوى الدولية الرائدة رغم تناقضاتها، ومنذ عام 2002، حققت تركيا قفزات
استعرضها الرئيس أردوغان بنفسه حين أشار إلى ارتفاع ميزانية الدفاع إلى 60 مليار
دولار مقابل 5.5 مليار فقط عام 2002، كما ارتفع عدد الشركات العاملة في الصناعات
الدفاعية خلال الفترة نفسها من 56 إلى 1500 شركة.
واستفادت القوات المسلحة التركية كثيراً من ثورة التصنيع الدفاعي وتفوق المنتجات
التركية، كما تشرح السطور التالية.
القوات الجوية..
تصنيع المقاتلات والمسيرات المتفوقة | تركـيا تصنع سلاحها بيديها
بعد إقصاء تركيا من برنامج المقاتلة الشبحية الأمريكية (F-35) قررت أنقرة
تحسين وتعزيز مسيّراتها ومقاتلاتها من طراز (F-16) بأسلحة وأنظمة محلية متطورة،
بل زادت زخمها لإنتاج مقاتلتها الشبحية الوطنية من الجيل الخامس MMU.
وأعلنت شركة “بايكار” التركية المصنعة للمسيَّرات المحلية عن برنامجها الواعد،
المتمثل في تصميم وإنتاج مقاتلات مسيّرة من الجيل السادس ستكون جاهزة
بحلول 2023 لتغيير مفهوم الحروب الجوية تماماً.
في الصناعات الدفاعية الجوية، تمكنت تركيا من تطوير “بيرقدار قزل ألما”، وهي
أول طائرة مقاتلة تركية من دون طيار، تم تطويرها محلياً.
والنموذج الأول من المقاتلة الحربية محلية الصنع، والتي تعتبر أحد أهم مشاريع
الصناعات الدفاعية والتكنولوجية في تركيا، جرى نقله إلى خط التجميع النهائي.
وكشف رئيس مؤسسة الصناعات الدفاعية التركية إسماعيل دمير أن المقاتلة الحربية
المذكورة ستكون جاهزة خلال 2023، بعد إتمام أعمال التجميع.
“الصناعات الدفاعية التركية واصلت العمل خلال 2022 من أجل تصنيع وتسليم الطلبيات
الخاصة بالمركبات الجوية المسلحة من دون طيار، والتي تستخدمها قوات الأمن
بشكل فعال في عملياتها المحلية والدولية”.
في مقدمة هذه المركبات، “بيرقدار آقينجي” (Bayraktar Akıncı TİHA) و”آقسنقر”
(Aksungur) وبيرقدار تي بي 2 (Bayraktar TB2) وعنقاء (Anka) وقارغو (Kargu).
شهد عام 2022 دخول الطائرة المسيرة تركية الصنع طراز “بويغا” Boyga لأول مرة
الخدمة، كما انتهى بنجاح مشروع إنجاز مشروع “كركس” (Kerkes)، الذي يمكّن الطائرات
من دون طيار من العمل في مناطق لا تحتوي على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)”.
تطوير الأسطول.. الوطن الأزرق
خلال 2022 تم وضع أول سفينة استخبارات تركية من طراز (TCG Ufuk)، في خدمة
القوات البحرية التركية، وبدأ العمل بتصنيع غوّاصتين جديدتين هما “خضر رئيس”
(Hızır Reis) و”سلمان رئيس” (Selman Reis).
وخلال العام نفسه، تم تسريع العمل في مشاريع تتعلق بالمركبات البحرية المسيرة،
وأبرزها “أولاق” (Ulaq)، و”سالفو” (Salvo)، و”سنجر” (Sancar)، و”مير” (Mir)،
و”ألباتروس” (Albatros)، و”مارلين” (Marlin).
الصواريخ الباليستية وأنظمة الدفاع الجوي
تمكنت الصناعات الدفاعية التركية في 2022 من تعزيز قدرات الدفاعات الجوية
التركية من خلال إجراء اختبارات ناجحة على الصاروخ الباليستي قصير المدى
“تايفون”، الذي جرى إنتاجه اعتماداً على الإمكانات والخبرات المحلية.
واعتبر الرئيس رجب طيب أردوغان أن الصاروخ الباليستي تايفون أحدث صدى حول
العالم وخاصة في اليونان، وشدد على أن “اختبار تركيا لهذا الصاروخ يظهر المستوى
الذي وصلت إليه تركيا في مجال الصناعات الدفاعية”، معتبراً أن “دخول العاصمة
أثينا في مدى الصاروخ أفقد اليونانيين صوابهم”.
وواصلت الصناعات الدفاعية التركية إنتاج وتسليم الصواريخ المحلية “حصار أو”
(HİSAR-O) ومجموعات الصواريخ المضادة للدبابات ومجموعات التوجيه والذخيرة.
كما عرضت الصناعات الدفاعية التركية نظام صواريخ الدفاع الجوي المحمول محلي
الصنع من طراز “سنقر” (Sungur) على القوات المسلحة التركية، التي أجرت على
الصاروخ تجارب ناجحة.
الخطط الاستراتيجية
في نهاية 2018، أصدرت الرئاسة التركية للصناعات الدفاعية الخطة الاستراتيجية
للفترة 2019-2023، التي تهدف إلى:
- زيادة إيرادات قطاع الدفاع التركي إلى 26.9 مليار دولار.
- زيادة الصادرات إلى 10.2 مليار دولار.
- تلبية 75% من الاحتياجات العسكرية للبلاد محلياً في 2023، مقارنة بـ65% في 2018.
وحددت تركيا أهدافاً استراتيجية بحلول عام 2053، مثل جعل الصناعات الدفاعية التركية
مستقلة بنسبة 100%، وشغل 10 شركات تركية قائمة أكبر 100 شركة دفاعية في
العالم، وزيادة قدرتها التصديرية إلى 50 مليار دولار.
من مدافع الجيش العثماني إلى المسيرات
كانت الإمبراطورية العثمانية سابقة لعصرها من حيث تطوير الصناعة الحربية خلال
صعود الإمبراطورية العثمانية، واستمر هذا التفوق حتى نهاية القرن السابع عشر.
تاريخياً بدأت الدولة العثمانية صناعاتها الدفاعية في عهد محمد الفاتح، حين تم
إنشاء أول مركز لصناعة المدافع تحت اسم “Top Asitanesi” في المكان المعروف
باسم Tophane، الواقع بين سوق Galata وسوق الثلاثاء اليوم بمدينة إسطنبول.
وتم إعادة تنظيم مؤسسة سراسكيرشي، التي كانت تعمل في تنظيم الجيش في
الإمبراطورية العثمانية منذ عام 1832، تحت اسم “حربية نزاريتي” في 22 يوليو/تموز 1908.
لتخضع منظومة التصنيع بأكملها إلى مديرية التصنيع التي يرأسها السلطان بنفسه.
ثم كان على الإمبراطورية العثمانية، التي هُزمت في الحرب العالمية الأولى، أن
تجعل جزءاً كبيراً من المصانع العسكرية معطلاً أو مغلقاً، وفقاً لهدنة مودروس التي
وقعتها، وتم إنشاء أولى المصانع العسكرية في الأناضول خلال فترة الكفاح الوطني
بهدف نقل مصطفى كمال باشا إلى الأناضول وإصلاح إنتاج الأسلحة والذخيرة.
من 1923 إلى 1950..
معامل الخرطوش ومصانع الطيران
بدأت صناعة الدفاع التركية في التخلف عن التطورات التكنولوجية في أوروبا اعتباراً
من القرن الثامن عشر، وفقدت فعاليتها إلى حد كبير خلال الحرب العالمية الأولى.
ولهذا السبب، لم يتم تأسيس بنية تحتية في هذه المنطقة في السنوات الأولى
للجمهورية، وكانت الأنشطة محصورة في عدد قليل من مرافق الإنتاج التي تم
إنشاؤها خلال حرب الاستقلال.
في فترة تأسيس الجمهورية، تم قبول صناعة الدفاع كجزء مهم من حركة التصنيع
والتنمية الشاملة، وتم اتخاذ مبادرات مهمة خاصة في قطاعي الأسلحة والذخائر
والطيران، لا سيما إنشاء المديرية العامة للمصانع العسكرية عام 1921.
وفي عام 1924، تم إنشاء ورش إصلاح الأسلحة الخفيفة والمدافع ومصانع الخراطيش
في أنقرة، وفي العام نفسه، تم إنشاء Gölcük Shipyard لصيانة السفينة الحربية Yavuz. تركيا.
وتم وضع أساس أول وأكبر مصنع للصناعات الدفاعية للقطاع الخاص في تركيا
في عام 1925 من قبل شاكر زومري في القرن الذهبي، إسطنبول، برأس مال محلي بالكامل.
بدأت أنشطة صناعة الطيران التركية بتأسيس شركة Tayyare ve Motor Türk A.Ş. (TamTAŞ) في عام 1926.
ويعتبر مصنع الطائرات، الذي أنشأته جمعية الطيران التركية في أنقرة عام 1941،
أول مشروع رئيسي في صناعة الطيران، وتم إنتاج عدد كبير من طائرات التدريب
وطائرات النقل والطائرات الشراعية في المصنع الذي بدأ الإنتاج عام 1944. مرة
أخرى في عام 1945، تم إنشاء أول مصنع لمحركات الطائرات في أنقرة.
ومع دخول تركيا في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) زادت المنح والمساعدات
البريطانية والأمريكية لتركيا، بهدف زيادة القوة الدفاعية لتركيا من خلال تزويد الجيش
التركي بأسلحة حديثة، وتقليل التأثير السلبي لنفقات الجيش على الاقتصاد.
من 1950 إلى 1985.. الخروج من عباءة أمريكا
مع عضوية تركيا في الناتو في عام 1952، وبسبب انخفاض الطلبيات المحلية للقوات
المسلحة التركية، فقدت المصانع العسكرية كفاءتها وخلقت عبئاً على الميزانية الوطنية.
بسبب السلبيات التي أوجدتها المساعدة العسكرية الأمريكية على الصناعة الدفاعية
والاقتصاد، تأسست إدارة البحث والتطوير في عام 1954 تحت إشراف وزارة الدفاع
الوطني (MSB) لتطوير صناعة الدفاع، ومنحها زخماً مرة أخرى.
وخلال أزمة قبرص عام 1974، نشأت الحاجة إلى استخدام المعدات الدفاعية المشتراة
من الدول الحليفة بما يتماشى مع المصالح الوطنية لتركيا.
نتيجة لرد الفعل الوطني على الحظر المفروض بعد الأزمة القبرصية، زادت الدولة
من رأسمالها في شركات مثل ASELSAN وHAVELSAN وASPİLSAN، إضافة إلى
العديد من الشركات التي تم تأسيسها خلال هذه الفترة من بين 1974-1983 بهدف
تطوير صناعة الدفاع.
من 1985 إلى 2021.. الرؤية التي صنعت هذا التفوق
على الرغم من أن صناعة الدفاع التركية تحولت إلى الأسواق الخارجية، خاصة
بعد الأزمة الاقتصادية في عام 2001، بسبب الانكماش الخطير في المشتريات
المحلية، إلا أنها فشلت في توفير احتياجات الجيش التركي.
وفي الفترة التي بدأت من عام 2006، تم اتخاذ خطوات مهمة لتقديم الدعم
للصناعات الدفاعية.
تم التأكيد على ضرورة تطوير الإنتاج في هيكل تنافسي واكتفاء ذاتي ومرن ومتكامل.
في عام 1985، بموجب القانون رقم 3238، تبنت تركيا مبدأ تصنيع جميع أنواع
الأسلحة والأدوات والمعدات التي يحتاجها الجيش التركي قدر المستطاع.
حققت الصناعات الدفاعية التركية خلال 2022، نجاحات مهمّة عبر سلسلة من المشاريع،
ساهمت في توفير مجموعة من المعدات والأنظمة الدفاعية المتطورة لقوات
الأمن والجيش في تركيا.
السعي إلى بنية تحتية لصناعة الدفاع تتمتع بقوة تنافسية دولية يمكنها تلبية
احتياجات الدفاع والأمن الوطنية، من خلال تطوير حلول محلية فعالة، جعل تركيا
متفوقة في تقنيات الدفاع والأمن، والحفاظ على تطوير القدرات الدفاعية.
وفي عام 2022 تجاوزت الصادرات عتبة المليارات الأربعة
وقال رئيس إدارة الصناعة الدفاعية التركية، إسماعيل دمير، إن 2022 شهد تطورات
مهمة في قطاع الصناعات الدفاعية التركية، وتحقيق مجموعة من أهداف القطاع المذكور.
قدرات تركيا
وتمكنت تركيا من صنع الطائرات المسلحة المسيرة، والمنصات البحرية، والمركبات
البرية، والصواريخ، والمركبات البرية والبحرية غير المأهولة، وأنظمة الحرب الإلكترونية.
ونجحت تركيا في تطوير هذه المعدات، اعتماداً على موارد محلية، “في خدمة قواتنا
الأمنية، فيما تجاوزت صادراتنا الدفاعية والفضائية عتبة الـ4 مليارات دولار، لتصل
إلى أعلى مستوى في تاريخ الجمهورية التركية”، بحسب دمير.
وزاد في تصريحات لوكالة الأناضول: “أعتقد أننا وخلال العام المقبل، سنحمل صناعتنا
الدفاعية، التي نعتبرها أحد القطاعات المهمة في الاقتصاد التركي، قدماً نحو الأمام،
من أجل توفير أفضل المعدات والأنظمة الدفاعية للسلطات المستخدمة وقوات الأمن والجيش”.
“قالوا” إنها أكبر من قدرات تركيا
تركيا هي البلد الجديد الذي يحقق طفرة في قطاع الأسلحة، والطائرات المسيرة
وضعت بصمتها على الدبابات والشاحنات والأسلحة الثقيلة روسية الصنع خلال
الحروب في إقليم قره باغ الأذربيجاني وسوريا وليبيا، كما ورد في تقرير لمجلة إيكونوميست في مطلع 2021.
الرئيس رجب طيب أردوغان يرى في الطائرات المسيرة إرهاصات ثورة في
الصناعات العسكرية، ويرغب في إنهاء اعتماد تركيا على الموردين الأجانب،
وجعلها من كبار الدول المصدرة للأسلحة.
“طموحات تركيا” في الصناعات الدفاعية تتجاوز الطائرات المسيرة المسلحة،
حيث تخطط لتشغيل حاملة الطائرات الخفيفة الأولى لديها TCG Anadolu التي
تزن 25 ألف طن. حاملة الطائرات هذه ستكون قادرة على حمل الطائرات المسيرة الحديثة.
بعد أيام من بداية عام 2023 قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن “تركيا
أنجزت العديد من المشاريع التي كان يُقال إن تركيا لا يمكنها مجرد التفكير فيها،
وهدفنا في مجال الصناعات الدفاعية هو إنهاء اعتمادنا على الخارج تماماً”.
وأضاف أنه في “بداية الألفية الثالثة كنا ننفذ مشاريع دفاعية بميزانية إجمالية
قدرها 5.5 مليار دولار، تجاوز هذا الرقم اليوم 60 مليار دولار. اليوم أصبح لدينا
7 شركات ضمن قائمة أفضل 100 شركة رائدة في مجال الصناعات الدفاعية”.
هكذا أثبتت تركيا قدرتها على تنفيذ مشروعات “قالوا” إنها أكبر من قدرتها.
وهكذا حلّقت تركيا لأعلى في اتجاه هدف إنهاء الاعتماد على الخارج.. تماماً.