# هاشتاق

تغريدات تنتقد ومقال يردُّ، وحديث عن حلف جديد.. ما قصة التلاسن بين إعلام مصر والسعودية والإمارات؟

التلاسن بين إعلام مصر والسعودية والإمارات

تغريدة للإماراتي عبد الخالق عبد الله تتحدث عن مولد تحالف جديد، ومقال في صحيفة مصرية

رسمية يهاجم السعودية، وتغريدات سعودية تهاجم مصر وجيشها، وقمة إماراتية تغيب عنها السعودية،

فماذا يحدث بين مصر والسعودية والإمارات؟

فجأةً تحوَّل الفضاء الإعلامي والرقمي في مصر والسعودية والإمارات إلى ساحة تراشق لفظي

مستعر تبادل بموجبه إعلاميون مقربون من السلطات اتهامات قاسية وتذكيراً بـ”أفضال” كل بلد على الآخر.

فيما يبدو أنها توترات تشوب العلاقات بين دول المنطقة، فالتلاسن الحاد بين إعلاميين مصريين وسعوديين وإماراتين ليس إلا أحد المؤشرات على هذا التوتر.

على المستوى الرسمي، هناك صمت معتاد، لكن هذا الصمت الرسمي في حد ذاته أثار جبالاً من التساؤلات والتكهنات بشأن ما يحدث خلف الكواليس، وانقسمت الآراء بين من يرى في ذلك مؤشرات على وجود توتر، ومن يستبعد وجوده من الأساس، فمنذ متى وكيف ولماذا بدأت القصة؟

وضع مصر الاقتصادي الصعب

موقع Middleeast Monitor البريطاني نشر تقريراً عنوانه “تصاعد التوتر بين مصر والسعودية”،

رصد كيف أن بداية التوتر تعود إلى تفاقم أزمة الاقتصاد المصري بشكل خانق منذ بداية الحرب الروسية في أوكرانيا، والتي اندلعت قبل نحو عام.

فعلى الرغم من أن دول الخليج سارعت إلى ضخ عشرات المليارات من الدولارات في الاقتصاد

المصري، للمرة الثالثة خلال عشر سنوات، فإن الأمور هذه المرة بدت مختلفة تماماً. إذ قال محللون وقتها لوكالة رويترز، إن دول الخليج تبدو هذه المرة كأنها تشدد الشروط من خلال السعي إلى الاستحواذ على أصول بعينها، إضافة إلى ودائع البنك المركزي، وهي مطالب لها تكلفتها في مصر.

وقتها قالت السعودية إنها أودعت 5 مليارات دولار لدى البنك المركزي المصري، ووعدت بضخ

مزيد من الاستثمارات التي يمكن أن تجلب لمصر ما يصل إلى عشرة مليارات دولار من العملات الأجنبية. لكن المختلف هذه المرة هو أن تلك الأموال، أو الوعود بها، جاءت في صورة استثمارات وليست مساعدات.

وفي ظل حاجة مصر المُلحة للأموال وإعلانها عرض الشركات المملوكة للدولة للبيع،

إضافة إلى وجود المستثمرين الخليجيين، لم يكن من المتوقع أن تحدث توترات.

الاستثمار السعودي المصري،

وبالفعل سعت صناديق الثروة السيادية في الإمارات والسعودية إلى الاستحواذ على نسب أو الشراء الكامل من الشركات المصرية، خاصة في مجالات الأسمدة والطاقة والقطاع الصحي والمصرفي والمعلوماتي.

ومؤخراً استحوذت شركة “مواساة” السعودية للخدمات الطبية على مستشفى المراسم الدولية بنسبة 100%، وهي منشأة طبية رئيسية تقع في ضواحي العاصمة المصرية.

ومطلع أغسطس/آب الماضي، استحوذت شركة الاستثمار السعودي المصري، ذراع صندوق الثروة السعودي في القاهرة، على حصة الحكومة المصرية في شركة “موبكو” لإنتاج الأسمدة، ومقرها ميناء دمياط شمال البلاد، كما اشترت الشركة السعودية نفسها حصص أقلية في شركة أبوقير للأسمدة والصناعات الكيماوية وشركة حاويات الإسكندرية للشحن، إضافة إلى حصة أسهم في شركة إي-فاينانس للاستثمارات المالية والرقمية. وبلغ إجمالي قيمة تلك الاستثمارات السعودية في الشركات المصرية الأربع 1.3 مليار دولار.

كما استحوذت الإمارات على شركات في مجال الأغذية وقطاع الخدمات المالية والمصرفية والمدفوعات الإلكترونية، وشركات أخرى في صناعة الأسمدة، إضافة إلى استثماراتها القائمة بالفعل.

وبلغت الاستثمارات الإماراتية في مصر أكثر من 712 مليون دولار في النصف الثاني من عام 2020،

وارتفعت إلى أكثر من 1.9 مليار دولار في النصف الثاني من عام 2021، وذلك قبل “هوجة” الشراء الأخيرة،

مما يشير إلى أن الرقم قد يكون تضاعف بالفعل.

مؤشرات التوتر بين السعودية مصر

قرار القاهرة عرض الشركات المملوكة للدولة للبيع سعياً لجذب الاستثمارات بالعملة الصعبة

يرجع إلى سنوات، لكن ذلك المسار يتحرك ببطء شديد بسبب عوامل متداخلة، أبرزها البيروقراطية وعدم وجود المناخ المشجع على الاستثمار. لكن مع تفاقم الأزمة بشكل حاد خلال العام الماضي، اتخذ مسار بيع الأصول منحنى صعودياً كبيراً، وأصبحت جميع الشركات، المملوكة للحكومة أو للجيش، معروضة للمستثمرين لاختيار ما يشاؤون منها.

لكن معاناة الاقتصاد المصري استمرت وتفاقمت، وسعت القاهرة للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي، الذي وجه دعوات إلى الدول الخليجية بتقديم دعم مالي لمصر حتى تتمكن من سداد أقساط ديونها الخارجية، وهنا بدأت تظهر مؤشرات لم تكن متوقعة.

إذ التزم المسؤولون السعوديون والكويتيون الصمت، بينما جاء الرد من مصادر غير رسمية،

وهو ما جاء بمثابة الصدمة للقاهرة، بحسب تقرير “ميدل إيست مونيتور”. فقد طالب سكرتير مجلس الأمة الكويتي، أسامة الشاهين، حكومة بلاده بعدم الاستجابة لمناشدات صندوق النقد الدولي بشأن مصر، مُصراً على أن “الكويت تستحق أموالها أكثر من الآخرين”.

أما في السعودية، فنشر الأكاديمي السعودي تركي الحمد، سبع تغريدات تطرق فيها إلى الأوضاع الاقتصادية في مصر، أحصى فيها مجموعة من العوامل التي تسببت- بحسب رأيه- في “وقوع مصر أسيرة لصندوق النقد الدولي”. ومن بين العوامل التي ذكرها “الحمد”، “سيطرة الجيش على دوائر الدولة ومفاصلها”، إضافة إلى ما سماها بـ”البيروقراطية المصرية الهرمة المقاومة للتغيير”.

ما يحصل لمصر

خالد الدخيل، الكاتب والأكاديمي السعودي، وجَّه هو الآخر انتقادات مباشرة للمؤسسة العسكرية المصرية

وسيطرتها على الاقتصاد منذ عام 1952. إذ غرد الدخيل قائلاً إن “ما يحصل لمصر في السنوات الأخيرة يعود في جذره الأول إلى أنها لم تغادر عباءة العسكر منذ 1952”.

تزامنت انتقادات “الحمد” و”الدخيل” مع تصريحات لوزير المالية السعودي، محمد الجدعان،

خلال مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي في 18 يناير/كانون الثاني، كشف خلالها الوزير السعودي عن تغير استراتيجية بلاده في تقديم المساعدات لحلفائها، والخاصة بتقديم مِنح مباشرة وودائع دون شروط، مطالباً بأن يقوم “الحلفاء” باعتماد برنامج إصلاح اقتصادي حقيقي أولاً.

ورغم أن خطاب الوزير السعودي جاء في سياق عام دون أن يشير إلى دولة بعينها، إلا أن كثيرين ربطوا بين تلك التصريحات وتغريدات “الحمد” و”الدخيل”.

وقبل ذلك كله، شن إعلاميون مصريون حملة انتقادات لاذعة تجاه زميلهم المصري عمرو أديب،

مقدم برنامج “الحكاية” على قناة “MBC مصر” المملوكة للسعودية، إذ هاجم الإعلامي محمد الباز،

أديب على خلفية انتقاد الأخير الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في مصر خلال الفترة الماضية.

نجاحات مصر وجيشها

واعتبر الباز أن زميله يروج لما وصفه بأنه “المشروع السعودي” في المنطقة، سواء كان “حلو أو وحش”، بحسب تعبيره.

ويوم الخميس 2 فبراير/شباط، نشر رئيس تحرير صحيفة الجمهورية، عبد الرازق توفيق، مقالاً حمل عبارات انتقاد قاسية وألفاظاً حادة تجاه من وصفهم بأنهم “الأقزام الكارهون لنجاحات مصر وجيشها العظيم”،

قائلاً إن “هؤلاء لن يعيشوا لحظة واحدة إذا ما حاق مكروه بمصر”، فيما اعتبرته وسائل الإعلام الغربية انتقاداً للسعودية، بحسب تقرير لموقع Middleeast Monitor البريطاني.

إذ شن كاتب المقال هجوماً على دول “لم يسمها”، مستنكراً “الإساءة التي طالت مصر وجيشها من قِبل شخصيات إعلامية في تلك الدول”. ورغم أن موقع صحيفة الجمهورية، وهي صحيفة رسمية مصرية،

حذف المقال لاحقاً، فإن بعض رواد منصات التواصل الاجتماعي أعادوا نشره، وقالوا: “إنه تضمَّن تلميحات واضحة للسعودية والخليج”.

ودخل الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله على خط التلاسن، واصفاً ما جاء في المقال بأنه “ردح رخيض”، ودعا الإعلامَ الخليجي إلى تجاهله.

الازدهار والاستقرار

ثم استضافت الإمارات قمة إقليمية عنوانها “الازدهار والاستقرار في المنطقة”،

بحضور زعماء قطر والبحرين وعُمان ومصر والأردن، وكان غياب السعودية والكويت لافتاً ومثيراً للتساؤلات والتكهنات أيضاً.

وكتب عبد الخالق عبد الله تغريدة قال فيها: “لقاء قمة في أبوظبي غداً لقادة دول الاعتدال العربي التي تشكل 40% من الإجماع العربي. مليون أهلاً وسهلاً بضيوف الإمارات”.

موقع أسباب المتخصص بالتحليل السياسي والاستراتيجي، نشر تقريراً حول القمة،

قال فيه إن الإمارات تستهدف من خلال القمة التشاورية بصورة أساسية، مناقشة الأوضاع الاقتصادية في مصر والأردن، والمخاوف المرتبطة بها على الاستقرار الداخلي في كلا البلدين؛ حيث تأتي مصر والأردن في مقدمة دول المنطقة الأكثر تضرراً اقتصادياً.

ويعاني كلا البلدين من تحديات اقتصادية معقدة يصاحبها تزايد مخاطر الاضطرابات الاجتماعية، وهو الأمر الذي قد ينعكس على الاستقرار في المنطقة، خاصة في حالة مصر التي تنظر إليها الإمارات باعتبارها حجر الزاوية للاستقرار الإقليمي، إلى جانب كونها بمثابة سوق كبير للاستثمارات الإماراتية.

ماذا يحدث تحت الرماد؟

ربما يقول البعض إن كل تلك المؤشرات ما هي إلا حالات فردية لإعلاميين هنا وهناك،

ولا تعكس بأي حال من الأحوال وجود توتر بين الرياض والقاهرة، لكن الأمر لا يتوقف عند تلاسن

أو تراشق بالألفاظ بين إعلاميين من جهة، وهناك مؤشرات حتى على المستوى الرسمي من جهة أخرى.

فالإعلام في مصر والسعودية والإمارات يخضع بالكامل للسيطرة الرسمية، كما أن الإعلاميين المشاركين في هذا التلاسن مقربون من السلطة هنا وهناك. إذ إن خالد الدخيل وتركي الحمد مقربان من الديوان الملكي،

ويوصف “الحمد” في الإعلام المحلي بأنه “المتحدث الإعلامي باسم الأسرة الحاكمة”، أما عبد الرازق توفيق فهو رئيس تحرير صحيفة رسمية مصرية، وعبد الخالق عبد الله هو المستشار السابق لرئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد. وبالتالي من غير المتصور أن يخرج أي من هؤلاء الإعلاميين فجأة ليهاجم دولة حليفة هكذا من تلقاء نفسه.

السؤال هنا إذا هو: لماذا؟ الإجابة فيما يتعلق بالتوتر بين السعودية ومصر،

بحسب تقرير لموقع Axios الأمريكي، ترتبط في جانب منها بجزيرتي تيران وصنافير، حيث ترى الرياض أن القاهرة تتباطأ في تسليمهما “لأسباب غير مقنعة”. مصر من جانبها ترجع سبب التأخير في تسليم الجزيرتين “لأسباب فنية”.

رئيس الإمارات

وفي هذا السياق، ذكر موقع ميدل إيست مونيتور أن القاهرة “فوجئت مؤخراً بأن الرياض تطالبها بتسديد ديون مستحقة على الحكومة المصرية لشركة أرامكو السعودية مقابل شحنات مشتقات نفطية يرجع تاريخها لخمس سنوات مضت، وكانت القاهرة تعتقد أن تلك الشحنات مجانية كجزء من صفقة تسليم الجزيرتين للسعودية”.

وعلى مسار آخر، التنافس بين السعودية والإمارات ليس خافياً، فولي العهد السعودي،

الأمير محمد بن سلمان، يسعى جاهداً لتحويل الرياض إلى المركز المالي والتجاري الإقليمي في المنطقة، وهو ما يسحب البساط من تحت أقدام أبوظبي بطبيعة الحال. كما أن الخلافات بين الرياض وأبوظبي في ملف اليمن ليست خافية أيضاً، حتى في ظل الصمت الرسمي من الجانبين.

وفي ضوء هذه الملفات المتشابكة، كان من الطبيعي أن تغيب السعودية عن القمة التي دعت إليها واستضافتها الإمارات، بهدف تأمين جسر عاجل لتعويم الاقتصاد المصري الذي يعاني بشدة، وبالتالي فالسؤال هنا هو: ما مدى عمق تلك التوترات؟ وهل يمكن احتواؤها قبل أن تخرج عن السيطرة وتعيد تشكيل تحالفات المنطقة؟