ما قصة فريق خورخي الإسرائيلي الذي ينشر الفوضى منذ 20 عاماً؟ تلاعب بعشرات الدول
من تخريب أكثر من 30 عملية انتخابية حول العالم إلى نشر معلومات مضللة عبر منصات التواصل الاجتماعي والقائمة طويلة. ما قصة فريق “خورخي” الإسرائيلي الذي فضحه تحقيق استقصائي دولي؟
كانت صحيفة The Guardian البريطانية قد نشرت تقريراً حول فريق من المتعاقدين الإسرائيليين يديره ضابط سابق في جيش الاحتلال، اعترفوا بأنهم تدخلوا في أكثر من 30 عملية انتخابية في جميع أنحاء العالم، وتلاعبوا بنتائجها، باستخدام القرصنة والتخريب ونشر المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي.
التحقيق الاستقصائي أجراه “الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين”، وتضمّن لقطات سرية ووثائق اطلعت عليها الصحيفة البريطانية، فيما لم يردّ حنان على الأسئلة التفصيلية بشأن نشاط فريق خورخي وأساليبه، لكنه “أنكر ارتكاب أية مخالفات”.
من هو “فريق خورخي” الإسرائيلي؟
لكن صحيفة Haaretz الإسرائيلية نشرت تقريراً أكثر تفصيلاً حول “فريق خورخي” بعنوان “من مبنى إداري صغير، مجموعة صغيرة من الإسرائيليين ينشرون الفوضى حول العالم”، رصدت من خلاله أسماء الفريق وتخصصاتهم وما قاموا به في أكثر من 30 دولة.
أما أعضاء الفريق الإسرائيلي فهم: ماكس: الاسم الحقيقي: ماشي ميدان، ويبلغ من العمر 63 عاماً. المهارات: الحرب النفسية، عمليات التأثير. الدور: مستشار واستراتيجية. الخلفية: المخابرات سابقاً، أي الموساد.
خورخي: الاسم الحقيقي: تل حنان، ويبلغ من العمر 51 عاماً. المهارات: القرصنة والاستخبارات السياسية والتجارية والمعلومات المضللة. الدور: الرئيس. الخلفية: استشارات أمنية ودفاعية
نيك: الاسم الحقيقي: زوهار حنان، ويبلغ من العمر 55 عاماً. المهارات: الذكاء والقرصنة مقابل أجر والتأثير في العمليات. الدور: الرئيس التنفيذي. الخلفية: مخابرات سابقاً، خبير في جهاز كشف الكذب.
وبحسب تقرير هآرتس، تقع المكاتب، التي يدير منها “خورخي” أنشطته، في الطابق الثالث من مبنى مكاتب غير موصوف ونصف فارغ مقابل مركز تجاري في المنطقة الصناعية. لا يوجد اسم أو علامة تعريف على الباب الأمامي. كانت الغرفة التي دخلنا إليها -بعد أن طُلِبَ منا ترك هواتفنا عند المدخل- تبدو كأنها ملجأ كبير من القصف وغير مثيرة للإعجاب، ولم يكلف أحد عناء تزيينها أو تصميمها. كان هناك ما يشبه الهدايا التذكارية من الرحلات الخارجية هنا وهناك، إلى جانب أكواب ورقية للمشروبات الساخنة عليها نقش “Free Love”.
كان حنان ينتظر الصحفيين المتخفين دون أي محاولة لإخفاء نفسه: وجه كاريزمي، مبتهج كالعادة، مليء بالثقة بالنفس. في بداية الاجتماع، تكهن حول ما لم يُعثَر عليه بعد على الكمبيوتر المحمول الخاص بهانتر بايدن. سأل قائلاً: “هل تعرف الفرق بين المؤامرة والحقيقة؟”، وكالعادة أجاب عن سؤاله: “ثمانية عشر شهراً”.
جلس ميدان بجانب حنان، وعلى الجانب الآخر من الطاولة كان نيك جالساً. قُدِّمَ إلى الصحفيين الثلاثة على أنه “الرئيس التنفيذي للشركة”. تم تحديد الرئيس التنفيذي لاحقاً على أنه زوهار، شقيق تل حنان. عمل زوهار في وكالة أمنية إسرائيلية وكان خبيراً في اختبار كشف الكذب.
في الاجتماع، زعم تل حنان أن لديه أكثر من 100 موظف في شركته. ربما يكون قد بالغ بعض الشيء. في تقديرنا، يمكن أن تستوعب المساحة التي كنا فيها نحو 20 موظفاً. وقال إن لديه أيضاً مكاتب في إندونيسيا، والبوسنة، ومركز التكنولوجيا الإسرائيلي في هرتسليا، وموظفين إضافيين في أوكرانيا. وأشار إلى أن مكتب هرتسليا خدم شركة منفصلة ادعى أنها تمتلكها تسمى Deep Impact، والتي، كما قال، تستخدم AIMS لتضخيم قيمة العملة المشفرة.
عُقِدَ الاجتماع في جزء منه باللغة الإنجليزية وجزء آخر باللغة العبرية. بدأ الأمر بمناقشة حول هدف جديد: إثارة المشاكل بين رئيس تشاد ورجل أعمال. بعد ذلك، كرر حنان أداءه المعتاد الآن للتسلل إلى حسابات البريد الإلكتروني ومنصة تليغرام، هذه المرة لأهداف في إندونيسيا وتنزانيا.
إحدى الخدمات التي عرفناها خلال هذا الاجتماع، تضمنت نشر تقارير كاذبة في وسائل الإعلام الفرنسية.
الاضطرابات والمعلومات المضللة
قام الفريق الإسرائيلي، على مدى أكثر من عقدين من الزمان، بتنفيذ عمليات التلاعب السرية بالانتخابات في بلدان مختلفة، لكن أنشطة “فريق خورخي” لم تتوقف عند التلاعب في الانتخابات فقط، بل امتدت إلى أي مجال يبثون من خلاله “الفوضى”.
فقبل نحو 15 عاماً، حصلت وكالة أمنية إسرائيلية من “فريق خورخي” على تقرير مالي عن أصول إيران وحزب الله. وقال شخص مطلع على الأمر للصحيفة الإسرائيلية: “كلَّف هذا إسرائيل مئات الآلاف من الدولارات، وتبين أنها زائفة وربما وهمية”.
وفي إندونيسيا، ادعى حنان أنه وراء الهجوم السيبراني على أجهزة الكمبيوتر التابعة للجنة الانتخابات الإندونيسية عام 2019. وقال إن الهجوم كان مخططاً للظهور كما لو أنه جاء من الصين من أجل إبراز مرشح سياسي على أنه منافس للصينيين.
وفي مقاطعة كاتالونيا الإسبانية، تحمَّل حنان المسؤولية عن هجوم DDoS الذي هدف إلى تعطيل استفتاء 2014 على استقلال كاتالونيا. رغم أن الاستفتاء استمر في نهاية المطاف كما كان مقرراً له.
في ترينداد وتوباغو، ادعى حنان أنه اخترق بريداً إلكترونياً لمدير مكتب رئيس الوزراء آنذاك كاملا برساد بيسسار، وسرب وثيقة لخلق أزمة سياسية. وفي موزمبيق، أظهر خورخي حساب Gmail المخترق لوزير الزراعة سيلسو إسماعيل كوريا. أكد الوزير أنه حساب بريد إلكتروني قديم خاص به، لكنه تراجع لاحقاً.
وفي بريطانيا، ووفقاً لشهادات نُشرت في صحيفة The Observer، عرض “المتسللون الإسرائيليون” وثائق Cambridge Analytica يُفترض أنه حُصِلَ عليها عن طريق اختراق حسابات رئيس الوزراء السابق تيموثي هاريس. وُحدِّدَ المتسللون على أنهم حنان وفريقه.
كانت شركة كامبريدج أناليتيكا في قلب فضيحة تسريب فيسبوك لبيانات ملايين المستخدمين الأمريكيين عام 2016، واستخدمت الشركة تلك البيانات في التأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية في ذلك العام، ولاحقاً تم تغريم عملاق منصات التواصل الاجتماعي أكثر من 5 مليارات دولار.
وفي فنزويلا، ادعى حنان أنه نشر معلومات كاذبة مررها إلى صحفي على قناة ABC ضد الرئيس السابق هوغو تشافيز؛ في محاولة للتأثير على انتخابات 2012. وفي منغوليا، قدّم حنان وثائق يبدو أنها تحتوي على معلومات مالية سرية للسياسي الراحل باتخو جوافا.
المغرب وكينيا والهند وأمريكا، والقائمة تطول
وفي المغرب، شنت شبكة حنان عام 2022 باستخدام هاشتاغ #PolisarioCrime، زاعمةً أن حركة تحرير الصحراء الغربية (جبهة البوليساريو) لها صلات بحزب الله وإيران.
وفي بريطانيا، شاركت شبكة حنان، في عام 2021، في حملة إيجابية حول عيادة بالمملكة المتحدة كانت قيد التحقيق لتقديم نتائج خاطئة عن فيروس كوفيد. وفي الهند وسريلانكا، بين عامي 2021 و2022، أجرت شبكة حنان حملةً على منصتيّ تويتر ولينكد، زعمت أن دينيش بانداي، مالك شركة Saamag، “فاسد”، وتضمنت الحملة روابط إلى “موقع تسريبات” تم إيقافه منذ ذلك الحين.
وفي كينيا، عرض حنان حسابات مُخترقة على منصة تليغرام لخمسة أعضاء بارزين في حملة ويليام روتو للصحفيين السريين. ذهب روتو للفوز في الانتخابات وهو الآن رئيس. اثنان من موظفي الحملة الذين اختُرِقَت حساباتهم متهمان الآن باختراق لجنة الانتخابات من أجل “سرقة” التصويت.
في المكسيك، شاركت شبكة حنان في حملة إيجابية لصالح توماس زيرون، القاضي السابق المتهم بالفساد والهارب في إسرائيل، التي ترفض تسليمه لبلاده. كما لعب “فريق خورخي” دوراً في قضية القبض على بارون المخدرات “إل تشابو”، حيث روج الفريق الإسرائيلي للادعاءات بأن الشكوك ضده كانت ذات دوافع سياسية.
وفي الإكوادور، شاركت شبكة حنان في حملة لدعم الإخوة أسياس، وصورت جهود الحكومة على أنها اضطهاد سياسي. وفي كاليفورنيا، شاركت شبكة حنان في حملة ضد غافين نيوسوم، حاكم كاليفورنيا الذي يعتبر أحد السياسيين الديمقراطيين البارزين. انتهت الحملة على الإنترنت بعد تجديد الترخيص.
أما في نيجيريا، فقد اعترف حنان بالوقوف وراء الهجوم على هواتف قادة المعارضة. كشفت رسائل البريد الإلكتروني الداخلية من Cambridge Analytica، أن حنان وفريقه كانوا “قراصنة إسرائيليين”.
وطالت نشاطات “فريق خورخي” التخريبية قائمة طويلة من الدول الأخرى، بينها فرنسا وكندا، حيث شاركت شبكة حنان في حملة ضد نيغارد. فبحسب حنان، حصل على أول اتفاق عدم إفشاء بين المستثمر الكندي في الأزياء بيتر نيغارد وأحد ضحاياه، والتي كانت نبلغ من العمر 16 عاماً في ذلك الوقت. وقال حنان: “دفع لها 100 ألف دولار”.
اللافت في الأمر هو أن “تل حنان” كان قد نسي أنه سبق له نفي وجود مقر له في إسرائيل أو أنه يعمل من داخلها، ورغم ذلك وافق على إجراء المقابلة مع الصحفيين بخصوص الإجراءات القانونية، ووافق على لقائهم بمكاتبه في موديعين، وهي مستوطنة إسرائيلية تقع على بعد نحو 35 كيلومتراً من تل أبيب.
الكشف عن “فريق خورخي” يسبب إحراجاً لإسرائيل، لا سيما أنها تعرضت بالفعل في السنوات الماضية، لانتقادات وضغوط دبلوماسية متزايدة، بسبب تصديرها برامج تجسس إلكترونية تُستخدم في تقويض الديمقراطية وانتهاك حقوق الإنسان، أبرزها بيغاسوس.
والظاهر من المعلومات الواردة أن حنان أجرى بعض عمليات التضليل، على الأقل من خلال شركة “ديمومان” Demoman International الإسرائيلية، المسجلة على موقع إلكتروني تديره وزارة الدفاع الإسرائيلية، لتعزيز الصادرات العسكرية. ولم تردّ وزارة الدفاع الإسرائيلية على طلبات للتعليق.
وأخبر حنان الصحفيين المتخفين، بأنه قدَّم خدماته، التي يصفها آخرون بـ”العمليات السوداء”، لوكالات استخبارات وحملات انتخابية سياسية وشركات خاصة، كلها استعانت به للتلاعب بالرأي العام سراً. وشملت قائمة عملائه زبائن من جميع أنحاء إفريقيا وأمريكا الجنوبية والوسطى والولايات المتحدة وأوروبا.
ومن أبرز الخدمات التي يقدمها فريق خورخي، حزمة برامج متطورة للتأثير الإعلامي (Advanced Impact Media Solutions)، تُعرف اختصاراً باسم “آيمز” Aims. وتتحكم هذه الحزمة في جيش ضخم من آلاف الحسابات الشخصية الزائفة على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل تويتر ولينكدإن وفيسبوك وتليغرام وGmail وإنستغرام ويوتيوب، فضلاً عن بعض الحسابات الزائفة على موقع أمازون وموقع “إير بي إن بي”، مجهزة ببطاقات ائتمان ومحافظ بيتكوين.
ويضم الفريق الذي أجرى التحقيق الاستقصائي، صحفيين من 30 وكالة ومؤسسة صحفية، منها صحيفة Le Monde الفرنسية، وصحيفة Der Spiegel الألمانية، وصحيفة El País الإسبانية. والمشروع جزء من تحقيق استقصائي أوسع في صناعة المعلومات المضللة، وقد أُجري بالتعاون مع منظمة Forbidden Stories الفرنسية غير الربحية، التي أخذت على عاتقها متابعة عمل الصحفيين والمراسلين الذين تعرضوا للاغتيال أو التهديد أو السجن.
وتمكن ثلاثة صحفيين استقصائيين من تصوير اللقطات السرية التي كشفت عن فريق خورخي، بعد تقربهم من الفريق، متظاهرين بأنهم عملاء محتملون. واستطاع الصحفيون أن يسجلوا خفيةً ما يزيد على 6 ساعات من الاجتماعات التي يتحدث فيها حنان وفريقه عن كيفية جمع المعلومات الاستخباراتية عن أهدافهم، واستخدام تقنيات القرصنة الإلكترونية للتسلل إلى حسابات جيميل وتليغرام، وكذلك تفاخرهم بزرع بعض المواد الإعلامية في منافذ أخبارية شرعية، ونشرها بعد ذلك بواسطة حزمة “آيمز” لإدارة البوتات والحسابات الزائفة.
وعُقدت الاجتماعات التي سجّلها الصحفيون خفيةً، بين شهر يوليو/تموز وديسمبر/كانون الأول 2022، واقترب فيها ثلاثة صحفيين (من إذاعة Radio France الفرنسية، وصحيفتي Haaretz وTheMarker الإسرائيليتين) من فريق خورخي، بزعم أنهم مستشارون يعملون في دولة إفريقية مضطربة سياسياً، أرادت التعاقد معهم للمساعدة في تأخير الانتخابات. وجرت اللقاءات مع حنان وزملائه عبر مكالمات فيديو، واجتماع شخصي في مقر تابع لفريق خورخي، بمنطقة صناعية في مدينة موديعين.