# هاشتاق

الآداب الشرعيّة والأخلاق الإعلامية في تغطية الكوارث

الكوارث

الآداب الشرعيّة والأخلاق الإعلامية في تغطية الكوارث
بقلم رانية نصر – “عضو هيئة علماء فلسطين – عضو ائتلاف العالمات والدّاعيات – عضو المنصة العالمية للدفاع عن حقوق الإنسان – باحثة دكتوراه في فلسفة الإعلام – باحثة ماجستير في الفقه وأصوله”

غالباً ما تكشّف لنا النوازل والحوادث عن قضايا مستجدة لم نعهدها من قبل؛ تسترعي وتستدعي اهتمامنا بالبحث والدراسة من زاوية شرعية وإعلامية وأخلاقية، وحادث الزلزال الذي ضرب شمال غرب الأراضي السورية وجنوب تركيا، تمخض عنه مسألة غاية في الحساسية؛ وهي آداب وأخلاقيات التعامل مع خصوصية الضعفاء تحت الأنقاض والهدم؛ إذ لا حول لهم ولا قوة في التعبير عن إرادتهم والتّحكم في تصرفاتهم وأفعالهم.

ومن باب الواجب الأخلاقي والتعاطف الإنساني مع أي مأساة تحدث جراء الكوارث الطبيعية؛ يهرع الناس جميعاً -لا سيّما الإعلاميون- إلى نقل مشاهد المتضرّرين والمنكوبين لتوثيق عمليات الإنقاذ سواء كانت ملتقطة أو حيّة، غافلين أو متغافلين خصوصياتهم وانكشاف عوراتهم وعجزهم عن دفع الأذى النّفسي الذي قد يصيبهم جراء تصويرهم بهيئات قد تسوؤهم لاحقاً أو تجرح مشاعرهم أو تهين كرامتهم؛ فضلاً عن عجزهم عن دفع ضرر ما أصابهم مادياً وحسياً، فيكون الاستسلام للأمر الواقع هو الحل لمن لا حيلة له، لكن لهذه النفوس والأجساد والأرواح حَرَم وحُرمة يجب ألا تُنتهك!

في معنى الحَرَم وأنواعه

الحَرام في اللغة هو الممنوع، وشرعاً هو أحد الأحكام التكليفية الفقهية الخمس ويعني والمحظور الذي يعاقب على فعله ويُثاب على تركه، ومنه الحَرَم وهو ما لا يَحِل انتهاكه، وما يحميه الرجل ويدافع عنه ويقاتل مثل الزوجة والبيت والأسرة، والحَرم الآمن يقصد به البيت الحرام الذي جعله الله آمناً للناس قال تعالى: “أَوَلَمْ يَرَوْا۟ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا ءَامِنًۭا وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ۚ أَفَبِٱلْبَـٰطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَكْفُرُونَ” العنكبوت 67، أما حُرمة النفس فهي عدم جواز قتل المسلم لأخيه المسلم دون وجه حق، قال تعالى: “وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًۭا مُّتَعَمِّدًۭا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَـٰلِدًۭا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِيمًۭا” النساء 93، أما حرمة الأرواح فهي حفظ مشاعر الناس وأحاسيسهم من أن تجرح أو تُمس بسوء، ومراعاة أحوالهم النفسية خاصة في الأزمات والظروف الحرجة؛ وذلك بفعل ما يحبون واجتناب ما يكرهون وما يسبب لهم الأذى.

في حرمة البيوت والنّفوس

لقد جعل الله -سبحانه وتعالى- للبيوت المسلمة حرمة وحَفِظَ لأهلها حقهم في أن يصونوها عن فضول أنظار الناس؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “من اطّلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقأوا عينه” رواه البخاري ومسلم وأبو داود، وروى أن حذيفة جاءه رجل فنظر إلى ما في البيت ثم قال: السلام عليكم أأدخل؟ فقال له حذيفة: “أما بعينك فقد دخلت، وأما بجسمك فلم تدخل”، وحديث رسولنا الكريم يقرر حكماً شرعياً مُهماً؛ وهو أن كشف عورات البيوت بغير إذن يُبيح فقأ العين، وتشريع فقأ العين يعني منع القصاص بالضرورة.

وقد أفتى بعض العلماء أنه لا يجوز تصوير الشخص من دون علمه، إن لم يعلم مسبقاً سماحه بذلك، ويتأكد الأمر في حق النائم، لأنه قد يكون في حالة لا يحب أن يراه الناس عليها ويكون في تصويره ونشر صورته إساءة إليه.

في حفظ خصوصيات النّاس

راعى الشارع الحكيم خصوصيات الناس كأفراد وكمجتمعات إنسانية، وأرشد إلى اعتبارها حفظاً لكرامتهم وما يخفونه عن أعين البشر، قال تعالى: “يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَدْخُلُوا۟ بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا۟ وَتُسَلِّمُوا۟ عَلَىٰٓ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌۭ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ” النور27، فالآداب الإسلامية تُحتّم على المؤمنين الامتناع عن دخول بيوت غير بيوتهم حتى يستأذوا أهلها بالدخول، ومن يخالف؛ فقد انتهك خصوصية وحرمة البيوت وأهلها ووقع في الإثم والمعصية، قال تعالى: “فَإِن لَّمْ تَجِدُوا۟ فِيهَآ أَحَدًۭا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ ۖ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ٱرْجِعُوا۟ فَٱرْجِعُوا۟ ۖ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌۭ” النور 28، وتشير هذه الآية إلى عدم جواز دخول البيوت الخالية كذلك، لاحتمال التصرف في ملك الغير بغير إذنه وهذا غير جائز، وقال تعالى في الآية 29 من نفس السورة: “لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا۟ بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍۢ فِيهَا مَتَـٰعٌۭ لَّكُمْ ۚ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ”، إذن؛ هذه الآيات الثلاث وضحت آداب وضوابط دخول البيوت؛ حيث راعت خصوصيات الناس، وإذا كان كل هذا التشديد مع البيوت المُحصّنة بقوة الأحجار ومتانة الأبنية وصلابة الأبواب والنوافذ المُسيّجة بالأسوار والأسلاك؛ فما بالنا بمن كُشِفت عوارتهم، وباتوا في أشد حالات ضعفهم، وأصبحوا عاجزين تماماً ليس فقط عن حفظ خصوصية بيوتهم؛ إنما عن ستر عوارتهم الجسدية والروحيّة؟!!!

حُرمة من هم تحت الركام

ويقاس على هذا من هم تحت الركام إذ لا نُسلم أن عوراتهم مستورة أو غير مكشوفة، بل هم من باب أولى لأن النائم لا ينام غالباً إلا مستوراً أما هؤلاء فهم مسلوبوا الإرادة والحرية والتّصرف فوجب الحرص أشد الحرص في التعامل معهم بعدم تصويرهم أثناء استخراجهم خاصة لو كانوا من النساء، وهنا نؤكد على أننا نتحدث عن التصوير خاصة في غير حاجة ولا نقصد عمليات الإنقاذ والبحث حيث يسمح فيها للضرورة ولحفظ الأنفس كل محظور.

هل يتعارض نقل الأخبار مع الحفاظ على الخصوصيات؟

لا شك أن وضع المنكوبين حال الدمار يستلزم الإسراع في عمليات الإنقاذ، ويفرض على الإعلامي نقل المأساة للعالم وتوثيقها بالصور والمقاطع المرئية لحث الناس على المساعدة والمساندة؛ لكن هذا لا يتعارض أبداً مع احترام خصوصة المنكوبين، ولا يبرر أبداً نقل صور ومشاهد أعيان الناس وأوضاعهم عن قُرب في حالات ضعفهم، ولربما لو خيّروا لاحقاً بين نشرها وعدم نشرها لاختاروا عدم النشر.

الأخلاق الإسلامية والمهنية أم الأسباق الصحفية!!

لو قلنا أن الشرع كفل للناس حقهم في تلك الخصوصية ودرء مفاسد أعين الناس في حال القوة، فيكون من باب أولى تطبيق هذه الآداب في حال ضعف الناس خاصة النساء والأطفال منعاً لاستغلالهم.

وهنا نؤكد على وجوب التعامل بحساسية مفرطة خلال نقل هذه الصور وانتقاء المشاهد التي لا تجرح مشاعر المنكوبين وتنزعهم كرامتهم، فنقل الأحداث والصور يحتاج إلى كثيرٍ من الأمانة الذاتية والأخلاق الإعلامية والبراعة المهنية فضلاً عن التقوى والورع والاحتياط، فالعمل الإعلامي واجب ديني والتزام أخلاقي ومهني قبل أن يكون سبقاً صحفياً ومواد استهلاكية لزيادة الكسب والرّواج والشُهرة!

إذن؛ للنفوس والأرواح حرمة في التعامل معها وآداب يستوجب مراعاتها في فترة الأزمات الحرجة، فالتصوير يكون لضرورة وبحدود نقل الخبر دون انتهاك حرمات البشر.

المصدر: منتدى العلماء

يستغلون مصيبة الزلزال كما استغلها الإمبراطور البيزنطي قبل ألف عام!