المرأة الفلسطينية التي تأمل في الحفاظ على التطريز للأجيال القادمة
المرأة الفلسطينية التي تأمل في الحفاظ على التطريز للأجيال القادمة – ترجمة حفصة جودة.
نُفيت والدة وفا غنايم من موطنها في قرية صفد بفلسطين التاريخية بعمر 3 سنوات، وللحفاظ على روابط حية بموطنها، علّمت نفسها فن التطريز الذي يعد تقليدًا شعبيًا بين الناس في القرى الفلسطينية.
أمضت غنايم ساعات طويلة في متابعة والدتها كفتاة صغيرة، تنظر إلى يديها وهي تحيك الخيوط الملونة بدقة متناهية، ومدهوشة بحركتها.
مثل عشرات الآلاف، اضطر والديّ غنايم لترك كل ممتلكاتهما بما في ذلك ملابسهما الراقية ومتعلقاتهما الشخصية في أثناء النكبة عام 1948.
كانت غنايم مولعة بالأعمال اليدوية التي تحيكها والدتها فكبرت وهي مهتمة بفن التطريز وكيف يربطها بوطنها الذي تحتله “إسرائيل” الآن، اختارت غنايم في البداية أن تدرس التجارة، لكن بمرور الوقت فتر اهتمامها وقررت أن تواصل دراسة التطريز بدوام كامل.
تقول غنايم: “لقد رأيت الكثير من كتب التطريز الفلسطينية لكنها لا تتحدث حقًا عن المعنى الكامن للتطريز والتصميمات المختلفة، لكن أمي وصفت لي دائمًا الرموز والأشكال المختلفة وشرحتهم لي عبر القصص”.
ألفت غنايم كتابها “التطريز والشاي: فن التطريز ورواية القصة في الشتات الفلسطيني”، كباحثة، عملت على تعريف أنواع التطريز المختلفة وجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عنها، للحفاظ عليها للأجيال القادمة، يصف الكتاب كيف تعلمت غنايم التطريز من والدتها، الذي غالبًا ما يكون في أثناء تناول الشاي والاستماع للقصص التي تتناقلها الأجيال.
التطريز والهوية الفلسطينية
بالنسبة للنساء الفلسطينيات، يعد التطريز طريقة لتوثيق التاريخ، بالإضافة إلى حياة الشخص الذي يرتدي تلك التصاميم، يتضمن التصميم عادة موضوعات ورموزًا متعلقةً بالتجربة الفلسطينية اليوم مثل الصمود في وجه الاحتلال الإسرائيلي.
يستغرق الثوب المطرز بعناية شهورًا لإعداده، وعادة ما يُعدّ وفقًا للقصة الشخصية لصاحبه وأصول أجداده.
تقول غنايم: “إنه يمثل أصولنا وتاريخنا، شيء يتجاوز وصف الفلسطينيين اليوم، أنا أمريكية في الولايات المتحدة أكبر داعم للكيان الإسرائيلي والممول الرئيسي للجيش الإسرائيلي، من الصعب حقًا النشأة هنا لأن هويتك تشكل وصمة عار”.
بينما انتشرت جهود الحفاظ على التطريز منذ عقود، إلا أن المعلومات الخاطئة عن أصول التصميمات انتشرت كثيرًا، فهناك فجوات في معرفة أصول أشكال معينة، تقول غنايم: “قضى الفلسطينيون حياتهم يحاربون محو ثقافتهم، فكيف تلومهم على رغبتهم في حمايتها؟ أرى أن أفضل طريقة للقيام بذلك من خلال التعليم”.
تعمل غنايم مع عدد من المتاحف في الولايات المتحدة لتساعدهم على جمع المعلومات عن الملابس والتعرف على أشكال التطريز المختلفة، أحد أهداف غنايم الرئيسية ضمان توثيق هذه الملابس بشكل دقيق قدر الإمكان وفهرستها بشكل صحيح.
شرحت غنايم أنه عبر السنين، انتهى الحال بالكثير من الملابس الفلسطينية في المتاحف الأوروبية بمعلومات قليلة عن تلك القطع التي يعرضونها.
تقول غنايم: “في أوائل وأواخر القرن الـ20، كان الأوروبيون والأمريكيون يزورون فلسطين للسياحة والحج المسيحي، كان هؤلاء الناس يشترون ملابسنا التقليدية، ويقدمونها كأنها ملابسهم الخاصة ويعودون بها إلى بلادهم”.
التطريز كأداة للصمود
وفقًا لغنايم، فأن تكون فلسطينيًا يعني أن تصبح شخصًا معرضًا للمضايقات والتنميط وأن تكون منبوذًا لهويتك الوطنية، لقد أصبح التمسك بجوانب الثقافة الفلسطينية ونشرها طريقة لمقاومة الهجوم على الهوية الفلسطينية.
يكشف فن التطريز عن الكثير من حياة الفلسطينيين التي لم تُذاع في نشرات الأخبار، وتعتقد غنايم أن تسليط الضوء على مثل هذه التقاليد يساعد أيضًا في أنسنة الفلسطينيين وإزالة التنميط المرتبط بهم.
تاريخيًا، ارتبطت شعبية التطريز بأحداث رئيسية في التاريخ الفلسطيني، تقول غنايم: “في أثناء الانتفاضة الأولى من عام 1987 وحتى عام 1993، عندما تعرض الفلسطينيون لحظر التجول واضطروا للبقاء كثيرًا بالمنزل، في ذلك الوقت ظهر ثوب الانتفاضة، حيث طرّز الناس العلم الفلسطيني على ملابسهم”.
طُرّزت بعض الأشكال على الملابس في ذلك الوقت ومن بينها قبة الصخرة والخط العربي وصور لأشخاص يرمون الحجارة، كانت الطيور أيضًا من الأشكال الشائعة على الثوب التقليدي بالإضافة إلى النجوم والقمر.
بالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون في المنفى، فتعلم الحرفة شكل من أشكال الصمود، فيظلون على اتصال بوطنهم وتقاليده، يتعلم بعض الناس غير الفلسطينيين التطريز أيضًا كطريقة لإظهار التضامن مع معاناتهم.
خارج فلسطين
هذا البحث الواسع في التطريز الفلسطيني ألهم غنايم للتنقيب عن أشكال التطريز الأخرى في الشرق الأوسط بما في ذلك سوريا التي تربطها بها علاقة عميقة، بعد تهجير والدة غنايم عام 1948، قضت سنوات المنفى الأولى في سوريا حيث حصل آلاف الفلسطينيين على حق اللجوء.
يختلف التطريز الفلسطيني عن النسخ السورية، لكن هناك جوانب مشتركة، تقول غنايم: “تصميمات الصدر في الثوب الفلسطيني ضيقة أكثر وتتخذ شكلًا مربعًا أكثر، وفي بعض الأحيان يكون هناك مثلثات أسفلها، أما في السراقب السوري فالمثلثات تمتد حتى الكتفين وتظهر على الظهر أيضًا”.
“تميل التصميمات السورية أيضًا إلى عدم التماثل، فيمكنك أن ترى الكثير من التطريز على ناحية، بينما تكون الناحية الأخرى بلا تطريز تمامًا، أما التطريز الفلسطيني فيُظهر اهتمامًا كبيرًا بالتماثل والتوازن البصري وتناغم الألوان”.
دورات التطريز
قدمت غنايم اهتمامها بالتطريز بين الفلسطينيين وكذلك في صفحتها على “إنستغرام” حيث تنشر جلسات مباشرة تعلم فيها متابعيها كيف يطرزون الأشكال المختلفة، تقول غنايم: “في البداية لم يفعل الكثيرون ذلك، لكن الأمر تطور، وقد سمح لي ذلك بتعليم الناس التطريز ورفع الوعي”.
تدير غنايم أيضًا بعض ورشات التطريز في الولايات المتحدة، وتأمل في نشر هذا الفن بتعليمها الآخرين، يحضر الورشات فلسطينيات وغير فلسطينيات متحمسات لمعرفة المزيد عن تاريخ هذا التقليد وما الذي ترمز إليه الأشكال والأنماط المختلفة.
تقول غنايم إن هذه الورشات مصممة للحفاظ على أعمال العجائز الفلسطينيات والبناء عليها، وتضيف “ما زلت أتعلم عن التطريز طوال الوقت، وما زال بحثي مستمرًا”.