الغرب وانتخابات تركيا .. تدخل سافر بالشأن الداخلي عبر الإعلام
بدت تغطية الإعلام الغربي للانتخابات والتطورات العامة في تركيا متحيزة بشكل صريح وفج، إذ مثلت تدخلاً غير مبرر في الشؤون الداخلية للبلاد، ومحاولة غير ديمقراطية أو نزيهة للتأثير في الرأي العام في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة منتصف مايو الجاري.
بدت تغطية الإعلام الغربي للانتخابات والتطورات العامة في تركيا متحيزة بشكل صريح وفج، إذ مثلت ولا تزال تدخلاً غير مبرر في الشؤون الداخلية للبلاد، ومحاولة غير ديمقراطية أو نزيهة للتأثير في الرأي العام في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الحاسمة المقررة منتصف مايو/أيار الجاري.
ثمة ملاحظات عديدة -شكلاً واطارا ومضمونا- يمكن تسجيلها حول التدخل المنحاز، غير المبرر وغير المنطقي، ضد دولة حليفة. ففي الإطار العام نتحدث عن مؤسسات إعلامية كبرى وعريقة ومهنية “نظرياً”، وعلى سبيل المثال لا الحصر، يمكن الإشارة إلى مجلات “إيكونوميست” و”لا بوينت” و”دير شبيغل” في بريطانيا وفرنسا وألمانيا على التوالي.
هجوم غير مبرر
في الشكل أيضاً، واضح أن هذا التناغم أو التماهي بين المؤسسات الإعلامية ليس مجرد صدفة، بل مبرمج ومتفق عليه بالتأكيد، خصوصاً أن هذه المؤسسات مركزية ومهمة في صناعة الرأي العام.
في المضمون ورغم اختلاف الزوايا والأبعاد في تناول التطورات بتركيا، فإنّ التركيز كان فجّاً ومبالغاً فيه على شخص الرئيس رجب طيب أردوغان والدعوة المستهجنة وغير المهنية وغير الديمقراطية بالطبع؛ لإلحاق الهزيمة به ورحيله عن السلطة في الانتخابات القادمة.
وتحدثت الإيكونوميست في غلافها الرئيس وبالبنط العريض عن ضرورة رحيل الرئيس، في تجاوز لكل القيم والمعاني الديمقراطية والمهنية التي يتشدق بها الإعلام الغربي تجاه دولة مستقلة ذات سيادة وزعيم منتخب ديمقراطياً، فيما يُفترض أن يكون هذا الأمر بيد الشعب التركي وحده بصفته المرجعية العليا وصاحب الحسم والكلمة الفصل في اختيار قيادته دون أي وصاية أجنبية أو محاولة للتأثير والتدخل في قراراته وخياراته بأي حال من الأحوال.
مخادعة الرأي العام
على نفس المنوال، نسجت مجلة “لا بوينت” الفرنسية، التي نشرت على غلافها الرئيس بالبنط العريض صورة الرئيس أردوغان وعبارة “بوتين آخر” في إشارة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مع الانتباه إلى شيطنة هذا الأخير والصورة الإعلامية السوداوية المرسومة له أمام الرأي العام الأوروبي والغربي.
وتصف الصورة بوتين بديكتاتور مستبدّ يتحكم بمفاصل السلطة كافة، يقمع وسائل الإعلام ويخنقها، وينكل بمعارضيه في الداخل والخارج، مستعينا بعصابات مرتزقة -شركة فاغنر- للدفاع عن حضور الدولة بالخارج ونفوذها.
كما غزا دولة جارة، في تجاوز علني لمواثيق الأمم المتحدة والشرعية الدولية وارتكب فيها جرائم حرب موصوفة، وفق تقارير المحكمة الجنائية الدولية.
وبغض النظر عن رأينا في مدى صحة أو دقة المعطيات السابقة، فإن هذه هي الصورة الشيطانية عن بوتين، هي نفسها التي تريد المجلة الفرنسية استنساخها للرئيس التركي في الإعلام، وتكريسها في العقل الجمعي للرأي العام الفرنسي والغربي.
عنصرية دفينة
إلى ذلك، بدا غلاف مجلة “دير شبيغل” الألمانية مفعماً بالدلالات العنصرية ومعاداة الإسلام مع كرسي القيادة المشروخ والهلال المكسور والوجه المتعب والمرهق للرئيس أردوغان، في تقييم غير مهني لحقبته. والأهم الدلالة الدينية والتاريخية أو استحالة سماح أو عدم رضا الغرب عن استعادة أمجاد الدولة التركية العريقة وحضور نسختها الجديدة دفاعاً عن دورها ومصالحها الحيوية في المنطقة والعالم.
إذن الحملة الشخصية المركزة ضد الرئيس أردوغان بالتأكيد غير مبررة وغير ديمقراطية، ولا يمكن أن تكون بريئة أو عشوائية، خصوصاً مع تنظيمها في منابر إعلامية عديدة، وفي دول مختلفة، في وقت متزامن، مع الانتباه كذلك إلى أن هذه الدول هي الأقرب إلى الإدارة الأمريكية الحالية رغم محاولتها النأي بنفسها والتغطية الأقل صخباً وتوتراً في وسائل الإعلام الأمريكية.
هنا وفي سياق التدخل الأمريكي الغربي غير المبرر أو النزيه بالشؤون التركية، لا بد من استحضار تسرب التسجيل الصوتي الشهير للرئيس جو بايدن الذي تحدث فيه عن ضرورة إسقاط الرئيس أردوغان في الانتخابات وصناديق الاقتراع بعد فشل الانقلابات العسكرية في تحقيق ذلك.
تدخل غير مشروع
لا شك أننا أمام محاولة فجة ومستهجنة وغير مبررة أو منطقية للتدخل في الشؤون الداخلية لدولة جارة وحليفة وصاحبة مساهمة إيجابية ومؤثرة تجاه أوروبا والغرب بشكل عام، بما في ذلك حضورها التاريخي والمركزي ضمن حلف الناتو .
نحن أمام دليل صارخ على الغطرسة والاستعلاء الغربي والسعي لممارسة الوصاية على العالم وتحديد ما هو مناسب وما هو جيد أو غير جيد للدول والشعوب.
على الجانب السياسي، يمكن ملاحظة أن هناك حالة من ضيق الصدر الغربي تجاه السياسات المستقلة لتركيا الجديدة التي يقودها الرئيس أردوغان منذ عقدين تقريباً، حفاظاً على مصالحها ونظرتها إلى دورها باعتبارها شريكاً مركزياً في تقديم يد المساعدة والمساهمة الإيجابية لحل أزمات المنطقة وأوروبا والغرب والعالم بشكل عام، وبما يستند إلى الشرعية الدولية والاتفاقيات الثنائية والجماعية ذات الصلة.
وفي العموم لا بد من الانتباه إلى أن التغطية الغربية المتحيزة حضرت كذلك في مقاربة فاجعة الزلزال الأخيرة في تركيا، فبراير/شباط الماضي، كما فعلت صحيفة “شارل إبدو” الفرنسية في السخرية من الضحايا وعدم احترام معاناتهم وعذاباتهم، مع التشكيك الإعلامي في تعاطي الدولة التركية مع الفاجعة، رغم أنني أعتقد أن ثمة شيئاً من الحسد والغيرة حتى في الفاجعة، في ظل العمل الجدي للقيادة التركية والشروع السريع في مرحلة التعافي وإعادة الإعمار والعودة إلى الحياة الطبيعية في المناطق المنكوبة.
باختصار، تجاهلت وسائل الإعلام الغربية المشاهد الانتخابية للرئيس أردوغان في مدينتي إزمير وإسطنبول مع تغطية تقليدية وباردة دون تساؤل كيف يمكن لـ”مستبدّ” مزعوم في مخيلتهم، أن يحشد هذه الملايين بشكل طوعي ودون إكراه!
إنّ هذه التغطية المتحيزة والتدخل غير المشروع يخلوان من الاحترام اللازم لإرادة الشعب التركي في تحديد مصيره واختيار قيادته بنفسه. ناهيك بأن هذه الوسائل الغربية التي تدّعي الليبرالية في وضع لا يسمح لهم بإلقاء الدروس والمواعظ أو تحديد ما هو مناسب أو غير مناسب للشعوب في أي مكان في العالم.
وكالات + ترند10