الاحتلال يضييق على السلطات المحلية والمقدسيين.. تجميد الميزانيات بالداخل الفلسطيني
لؤي حمدان / مُحرر ومُعد تقارير
يصعّدُ الاحتلالُ الإسرائيلي حربَهُ ضدَّ فلسطينيي الداخل المحتلّ، ومن يمثّلهم من السلطات المحلّيّة والمقدسيّين باتّخاذ إجراءاتٍ انتقاميّةٍ وجائرةٍ بحقّهم، والسطو على أموالهم والتضييق عليهم؛ بسبب دفاعهم عن لغتهم وثقافتهم وتراثهم، ورفضهم إصهارَ المجتمع الفلسطيني تحت مظلّتِهِ الفكريّة والسياسيّة، وهو ما يطلق عليه بـ “الأسرلة” أي جعلهم “إسرائيليين”، إلّا أنّ محاولاته البائسة فشلت بسبب صمودهم وثباتهم.
ومؤخّرًا، جمّد وزير الماليّة الإسرائيلي “بتسلئيل سموتريتش”، موازنةً تقدّر نحو 300 مليون شيكل مخصّصةً للسلطات المحلّيّة العربيّة بالداخل المحتلّ، كما جمّد ميزانيّةً بـ 200 مليون شيكل لتشجيع اندماج الفلسطينيين من سكان القدس المحتلّة، في المؤسّسات الأكاديميّة الإسرائيلية، وولم يكتفِ الوزير المتطرّف بذلك، فتبعه بقرار تشكيل لجنةٍ “لفحص تحويل الميزانيّات للسلطات المحليّة العربيّة”، وما إذا كانت تستحقُّها أو لا.
وفي هذا الإطار، يقول المحامي أحمد خليفة، عضو المكتب السياسي في حركة أبناء البلد بالداخل الفلسطيني المُحتلّ عام 1948، إنّ “الحكومة الإسرائيلية تخصّص ميزانيّةً للسلطات المحليّة تقدر بـ (300 مليون شيكل)، وتوزّع على أكثر من (100) مجلسٍ محلّي عربي. المشكلة ليست في تجميد الميزانيّة، بل في سياسة العنصريّة من وزير فاشيّ من الدرجة الأولى، الذي جاء من عقليّة مستوطنٍ يحاولُ في أي سياقٍ التضييقَ على فلسطينيي الداخل بشتى الوسائل والطرق”.
ويضيف خليفة، إنّ “الميزانيّات تُطرحُ إعلاميًّا كأنّ الاحتلال يمنُّ علينا بها أو من حقّه أن يجمّدها ويخضها للرقابة، والصحيح أنّ الميزانيّة الحكوميّة للسلطات المحليّة تأتي عن طريق ضرائب يدفعها الفلسطينيون في الداخل والقدس”، مشيرًا إلى أنّ “اشتراط الميزانيّات، مثل قضيّة التعليم بزعم أنّ الأموال تذهب للخلايا الإسلاميّة والعربيّة والوطنية جزءٌ من معركة تضييق الخناق على الفلسطينيين والسياسات الحكوميّة العنصريّة، مثل الهدم ومصادرة الأراضي والجرائم والعنف بالداخل، وهي سياسةٌ متواصلةٌ لتركيع الفلسطينيّين وإخضاعهم لما يريده، وهو “الأسرلة” أي فرض الأيدلوجيّة الصهيونيّة عليهم”.
وينبّه خليفة، أنّ “تجميد الميزانيّات أثّر بشكلٍ كبيرٍ وسلبيّ على القرى والمدن الفلسطينية؛ نتيجة قرار الوزير العنصري، لأنّ الميزانيّات تسهمُ بشكلٍ كبيرٍ في مشاريع وخدمات أساسيّة، وفي حال تنفيذ القرار سيؤدّي إلى وقفها خصوصًا العمليّة التعليميّة، ومن ثَمَّ عدم القدرة على افتتاح العام الدراسي في معظم البلدات بالداخل المحتلّ”.
وبشأن سياسة التمييز التي يتبعها الاحتلال، يوضّح عضو المكتب السياسي في حركة أبناء البلد، أنّ “عقلية العِداء لفلسطيني الداخل موجودةٌ لدى الاحتلال المتمثّلة بأنّ يكونوا أكبر عددٍ ممكنٍ على أقلّ مساحةٍ من الأرض والتضييق عليهم من خلال اتّباع سياسة التجاهل المتعمّدة، بعكس المستوطنين الذي يحظون بدعمٍ حكوميّ في شتى المجالات من أموالٍ وأراضٍ وتعليمٍ وصحّة، والأموال والأراضي والتسهيلات من الحكومة، وهذا كلّه يندرج تحت السياسة الاستعماريّة للاحتلال”.
وعن أبرز أشكال التصدّي لهذا القرار العنصري، يطالب خليفة، السلطات المحليّة العربيّة أنّ تخوض إضرابًا واحتجاجًا مفتوحًا أمام مباني حكومة الاحتلال في القدس، والتوقّف عن دفع الضرائب لجهاز الحكم المركزي رفضًا لهذا القرار الجائر.
وقبل أيام، قرّر رؤساء السلطات المحليّة العربيّة بالداخل المحتل تصعيد خطواتهم الاحتجاجيّة، بإعلان الإضراب الشامل وعدم افتتاح العام الدراسي الجديد مطلع سبتمبر/أيلول المقبل، رفضًا لقرار “سموتريتش” بعدم تحويل أموال الموازنة المخصّصة لهيئات الحكم المحلّي العربيّة.
وفي هذا السياق، يؤكّد رئيسُ اتّحاد أولياء أمور الطلبة في القدس زياد الشمالي، أنّ “سلطات الاحتلال تحاول فرض المنهاج “الإسرائيلي” على المقدسيين وتحريف المنهاج الفلسطيني من خلال اتّخاذ إجراءاتٍ، مثل اشتراط منح تراخيص لفتح مدارس جديدة وبنائها إلا بتدريس المنهاج “الإسرائيلي”.
ويقول الشمالي، إنّ “جميع المدارس التي افتُتحت في القدس المحتلّة من قبل الاحتلال ووزارة المعارف الإسرائيلية جميعها تدرس المنهاج “الإسرائيلي”؛ بسبب سيطرة الاحتلال على المدينة، وهذا يؤدّي إلى زيادة أعداد الملتحقين بهذه المدارس، بسبب حاجة مدينة القدس لصفوف دراسيّة إضافيّة لاستيعاب الطلبة، ولا يوجد بديل سوى هذه الصفوف الصهيونيّة”.
ويبيّن الشمالي، أنّه “لم يرقْ للاحتلال أنّ يتعلم المقدسي في مدارس خاصة وأهلية؛ بسبب عدم التزامها بالمنهاج “الإسرائيلي” لذلك قرّر تجميد الميزانيّات ووقف التراخيص وعدم فتح صفوف بالمدارس الأهليّة والخاصّة ومنع التمويل للضغط عليهم من أجل تعليم المقدسيين المنهاج “الإسرائيلي”، لافتًا إلى أنّ “الميزانيّة ليست منّةً علينا، بل هو حقٌّ مكتسبٌ لنا؛ لأنّنا ندفع مقابل ذلك الضرائب ومن حق المقدسي أن يتلقى تعليمه دون تضييق”.
ويشير رئيس اتحاد أولياء أمور الطلبة، إلى أنّ “هذا القرار يحرم المنح المالية للطلاب المقدسيين الذين يدرسون في جامعات “إسرائيليّة” خصوصًا جامعة “هداسا”، وهذا قانونٌ عام لمن يحملون الهُويّة الزرقاء”، مبيّنًا أنّ “قرار وزير “سموترتيش” بوقف هذه المنح عن الطالب المقدسي الذي يتلقى تعليمه في الجامعات “الإسرائيليّة” بسبب انتمائه الوطني وعدم الانجرار خلف الروايات الصهيونيّة المحرّفة والمزيّفة التي تهدف للتهويد وأسرلة العقول هو قرارٌ جائرٌ بحقّ التعليم في القدس”، مشيرًا إلى أنّ ذلك يدقّ ناقوس الخطر، ويحدق بالعمليّة التعليميّة بالمدينة”.
ويلفت الشمالي، إلى أنّ “هذا القرار أثّر سلبًا على الطالب الجامعي المقدسي؛ لأنّه يعيق التحاقه بالجامعات “الإسرائيليّة” ويحرمه من الحصول على المنحة الماليّة المجانيّة للسنة التحضيريّة، وهي لا تقلّ عن (18 ألف شيكل)، ومن ثَمَّ يجبرُ الطلبة المقدسيين بدفع هذه المبالغ في حال نفّذ هذا القرار، وألغيت هذه الميزانيّات، بالمقابل الطالب “الإسرائيلي” في القدس يدرس في الجامعات ويحصل على المنحة المالية، وهذا يدلّل على عنصريّة الاحتلال وفاشيّته”.
فلسطينيًّا، يطالب الشمالي السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة بدعم المدارس الخاصّة والأهليّة والتابعة لوزارة الأوقاف للحيلولة دون إغلاقها، وتوفير ميزانياتٍ لتلك المدارس، أو تغطية نفقات التعليم؛ لأنّ تلك المدارس تعدّ صمام الأمان للمنهاج الفلسطيني في مدينة القدس”، علاوةً على ذلك دعم الأهالي وأولياء الأمور لصمودهم وعدم توجيه أبنائهم للمدارس الإسرائيلية رغم الإغراءات التي يقدّمها الاحتلال.
يستخدم الاحتلال الإسرائيلي سياسة العقاب للسلطات المحليّة بالداخل المحتلّ في محاولةٍ منه لثنيها عن مواقفها الوطنيّة وتقويض سياستها التي تدافع عن حقوق فلسطينيي الداخل، ويحاول دمج المقدسيين من خلال فرض المنهاج “الإسرائيلي” عليهم، لكن تلك المحاولات باءت بالفشل؛ بسبب صمود أبناء شعبنا ووعيهم بسياسات الاحتلال.