# هاشتاق

“ميناء حيفا” شريان الحياة البحري لإسرائيل والتحديات الاستراتيجية المحيطة به

ميناء حيفا شريان الحياة البحري لإسرائيل والتحديات الاستراتيجية

هيئة التحرير: لؤي حمدان

ميناء حيفا، الواقع على الساحل الشمالي لفلسطين المحتلة، يعتبر واحداً من أبرز الموانئ البحرية وأكثرها حيوية لدولة الاحتلال الإسرائيلي. بفضل موقعه الاستراتيجي على البحر الأبيض المتوسط، يلعب الميناء دوراً محورياً في حركة التجارة الدولية، فضلاً عن كونه عنصراً أساسياً في تعزيز الأمن القومي الإسرائيلي وتوسيع نفوذها البحري في المنطقة.

منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023 بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، ومع انضمام حزب الله اللبناني كداعم لجبهة غزة، أصبحت مدينة حيفا – التي تعتبر ثالث أكبر مدينة في “إسرائيل” ويقطنها حوالي 300,000 نسمة – محورًا في الصراع. وقد تصاعدت التهديدات من قبل حزب الله باستهداف المدينة، وهو ما تحقق فعلياً بعد اغتيال عدد من قياداته، بما في ذلك الأمين العام حسن نصر الله، في سبتمبر/أيلول 2024.

وتقع مدينة حيفا على بعد حوالي 24 كيلومتراً من الحدود اللبنانية، وأثار القصف المكثف والمتصاعد عليها من جنوب لبنان، مخاوف إسرائيلية من استهداف الميناء الذي تعده “إسرائيل” أهم موانئها على الإطلاق، فإلى جانب كونه “قلب التجارة البحرية الإسرائيلية” و”بوابة إسرائيل إلى العالم”، يضم ميناء حيفا منشآت نفطية ومصانع كيماوية حساسة قد يعني استهدافها وقوع كارثة في المدينة المحتلة وإغلاق الميناء لوقت طويل.

ما هو ميناء حيفا؟

ميناء حيفا هو أحد أقدم وأكبر الموانئ في فلسطين التاريخية، ويعد أهم وأكبر ميناء في دولة الاحتلال الإسرائيلي اليوم، يتبعه ميناء أشدود، وميناء إيلات. ويعد ميناء حيفا طبيعي ذو مياه عميقة، ويعمل على مدار السنة، ويخدم كل من الركاب والسفن التجارية، إنه واحد من أكبر الموانئ في شرق البحر المتوسط، ويوصف بأنه “بوابة التجارة الإسرائيلية”، حيث تنقل حوالي 99% من جميع البضائع من وإلى “إسرائيل” عن طريق البحر، ويملك ميناء حيفا حصة الأسد منها.

يقع الميناء في مدينة حيفا المحتلة على الساحل الشمالي. بُني الميناء لأول مرة في أوائل القرن العشرين قبل الانتدابات البريطاني والاحتلال الإسرائيلي، وقد شهد على مر الزمن توسعات كبيرة جعلته قادراً على استقبال السفن الكبيرة والمساهمة بشكل كبير في الحركة التجارية البحرية الدولية.

يمتد الميناء على مساحة واسعة 6.5 كيلومتر مربع، تضم أرصفة متعددة، محطات للحاويات، ومستودعات كبيرة، مما يجعله أحد المحاور التجارية الرئيسية في “إسرائيل”.

في عام 2022 بدأت “إسرائيل” في خصخصة ميناء حيفا، حيث استحوذت شركة Adani Group الهندية المملوكة للملياردير الهندي غوتام أداني الذي يوصف بأنه حليف لرئيس الوزراء ناريندا مودي (صديق بنيامين نتنياهو) ومجموعة Gadot الإسرائيلية، على ميناء حيفا مقابل 1.2 مليار دولار تقريباً. ويمتلك الشريك الإسرائيلي “غادوت” ثلث أسهم الميناء، في حين

لماذا يعتبر ميناء حيفا أهم ميناء بحري لـ”إسرائيل”؟

يُعد ميناء حيفا هو الأكبر والأكثر تنوعاً من بين جميع الموانئ الإسرائيلية. يلعب دورًا محوريًا في حركة الاستيراد والتصدير إلى الكيان.

يتمتع الميناء بموقع استراتيجي في شمال “إسرائيل”، أي أنه قريب من الأسواق الأوروبية والمتوسطية.

كما يحتوي الميناء على مرافق متعددة للنقل واللوجستيات، مما يجعله مركزًا للنقل البحري والبري، ويعزز قدراته كبوابة تجارية رئيسية للمنطقة.

يُعتبر الميناء مركزاً صناعياً مهماً، حيث يحتوي على مصانع وشركات كبيرة، بعضها مرتبط بصناعة الكيماويات والبترول. وهذا يعزز من مكانته كمرفق حيوي للصناعة والاقتصاد الإسرائيلي.

بالنسبة لحجم التجارة، يمر عبر ميناء حيفا سنوياً ملايين الأطنان من البضائع. يتعامل الميناء مع أكثر من 35% من حجم الاستيراد والتصدير الإسرائيلي، حيث يأتي البترول، المواد الخام، والمنتجات الصناعية والحبوب على رأس الواردات. أما الصادرات فتشمل المنتجات الكيميائية، الأدوية، والتقنيات المتقدمة وغيرها.

في عام 2023، قدرت حجم التجارة التي مرت عبر الميناء بأكثر من 30 مليون طن من البضائع، مما يعكس دوره الكبير في تعزيز الاقتصاد الإسرائيلي.

ما أبرز المنشآت الحساسة والاستراتيجية في ميناء حيفا؟

1- مصنع “بازان” (Bazan Group): يعتبر من أكبر المصانع البتروكيماوية في “إسرائيل”، ويقوم بتكرير النفط الخام وإنتاج مجموعة متنوعة من المنتجات البترولية.

2- مصانع الأمونيا: تُعد من المنشآت الخطيرة التي تخزن كميات كبيرة من الأمونيا، وتعتبر هدفاً محتملاً للهجمات، حيث يمكن أن تؤدي ضربة واحدة إلى كارثة بيئية وإنسانية هائلة.

3- رصيف الشحن الكيميائي “هاكيشون”: يضم لنقل الميثانول ومواد بتروكيميائية أخرى، ومستودعات لتخزين الأمونيا والإيثيلين، وغيرها من المواد الكيميائية.

4- مصانع الأسمدة التابعة لشركة ICL: تضم مواداً كيميائية خطيرة تستخدم في صناعات الأسمدة.

5- خزانات ومصافي النفط: تقع في منطقة كريات حاييم بواقع 41 خزاناً، تبلغ سعتها الإجمالية 937 ألف متر مكعب من النفط الخام، بالإضافة إلى 17 خزاناً بسعة 157 ألف متر مكعب موجودة في الميناء الرئيسي، مخصصة لتخزين النفط الخام الثقيل والخفيف والديزل والكيروسين والغازولين.

6- مطار حيفا: مطار دولي تأسس في عام 1936 وكان في الأصل قاعدة عسكرية بريطانية، قبل أن يتم تطويره إلى مطار تجاري صغير. يُعتبر هذا المطار جزءاً من بنية النقل الحيوية في شمال “إسرائيل”، حيث يخدم الرحلات الداخلية ورحلات محدودة إلى وجهات دولية. يقع المطار بالقرب من ميناء كيشون داخل ميناء حيفا، مما يجعله مرتبطاً بشكل وثيق بشبكة النقل البحرية والجوية، ويضم المطار العديد من منظومات الدفاع الجوية الإسرائيلية لصد الصواريخ والطائرات المسيرة التي تستهدف الميناء.

7- محطة كهرباء حيفا: من أهم محطات الطاقة في شمال الكيان، تقع في خليج حيفا وتستخدم الوقود الأحفوري وهي عاملة بقدرة لا تقل عن 1022 ميجاوات. تلعب المحطة دورًا حيويًا في تزويد الطاقة للمدينة والمناطق المحيطة بها، بما في ذلك المجمعات الصناعية الكبيرة.

8- مرسى الغواصات والسفن العسكرية: ويضم سفناً عسكرية إسرائيلية من طراز “ساعر 6” بالإضافة إلى غواصات “دولفين 2” التابعة للبحرية الإسرائيلية، وقد تم تصويرها من قبل طائرة “هدهد” التجسسية التابعة لحزب الله.

9- قاعدة البحرية الإسرائيلية: تضم وحدة الحوسبة 3800 ومهمتها تتبع الاتصالات والنقل اللاسلكي والحوسبة والقيادة والسيطرة على المعلومات العسكرية والاستخباراتية في الجيش الإسرائيلي.

10- أرصفة شحن حاويات البضائع: تنقل أكثر من 30 مليون طن من البضائع سنوياً، وتوزع على 8 محطات شحن، مثل الكرمل أكبر محطة حاويات في الميناء، ومحطة داجون لنقل الحبوب، ومحطة كيشون لنقل البضائع العامة، ومحطة المواد الكيميائية، والمحطة الشرقية المتصلة بالسكك الحديدية لنقل البضائع.

ماذا سيحدث إذا ما تم استهداف هذه المنشآت؟

تقول صحيفة “هآرتس” العبرية إن سكان حيفا يشعرون أنهم “يجلسون على برميل من المتفجرات”، مشيرة إلى أن سيناريو استهداف ميناء حيفا وما حوله “يحرم العديد من سكان حيفا من النوم”، حيث أن مصانع البتروكيماويات، بما في ذلك مصافي النفط، يتم تخزين تركيزات كبيرة فيها من المواد الخطرة التي قد تتحول لكارثة إذا ما تم استهدافها.

وتضيف الصحيفة أنه “يمكن لسكان حيفا أن يستمدوا بعض العزاء من حقيقة أن شركة حيفا للكيماويات أفرغت خزان الأمونيا الخاص بها في السنوات الأخيرة، بعد صراع بيئي دام عشر سنوات. ومع ذلك، فإن القرار بإزالة المرافق الأخرى الخطيرة يتقدم ببطء شديد”.

في عام 2022، أجرت وزارة حماية البيئة الإسرائيلية مسحاً لم يكتمل للمواد الخطرة في ميناء حيفا، أشار إلى أن يوجد في خليج حيفا 1500 مصدر خطر و800 نوع من المواد الكيميائية الخطرة، وقال أحد سكان حيفا إن “نفس المسح فحص الأضرار المحتملة في الأوقات العادية، لكنه لم يفحص السيناريوهات الناجمة عن أي هجوم”.

في الثامن أكتوبر/تشرين الأول، صرح “عمدة” بلدية حيفا لوسائل الإعلام العبرية بالقول: “طلبنا إخلاء المصانع الكيميائية في خليج حيفا لكننا لم نتلق أي رد من الحكومة”.

يقول رافيت شتوسل، أحد سكان حيفا ومسؤول المجتمع المحلي في حملة تنظيف خليج حيفا من المواد الخطرة إن “هناك العشرات من الشركات التي تعمل بالمواد الخطرة، فضلاً عن خزانات الغاز، وكلها تقع في نفس المنطقة. ويؤكد هذا الوضع على أهمية البدء في عمليات إزالة صناعة البتروكيماويات من الخليج، وكذلك مدى تأخرنا بشكل جنوني”. وأضاف: “نطالب بتقليص إضافي للمواد الخطرة في المؤسسات وتسريع الجدول الزمني لإغلاق صناعة البتروكيماويات في قلب منطقة حيفا الكبرى. وبعيدا عن ذلك، لا نستطيع إلا أن نصلي لإله الحظ”، على حد تعبيره.

لا تشكل صناعة البتروكيماويات الشيء الوحيد الذي يقلق سكان حيفا. إذ تشعر نوح شيك، وهي من سكان حيفا ومهندسة معمارية، بالقلق إزاء الإضراب الذي قد تتعرض له المباني السكنية (الكريوت) وبعض أحياء المدينة التي لا يوجد بها سوى مدخل ومخرج واحد، والتي وصفتها بالأحياء المحاصرة.

ويقول أحد السكان لصحيفة هآرتس: “يكفي أن يتم إغلاق طريق واحد يؤدي إلى أحد الأحياء لأي سبب من الأسباب، وتنشأ بالفعل مشكلة خطيرة إذا أصبح من الضروري إنقاذ المصابين على سبيل المثال”، مضيفا أن المدينة لديها أيضا العديد من المنشآت العسكرية بالقرب من المباني السكنية. وأضاف أن “مستشفى رامبام يقع بالقرب من القاعدة البحرية، وتشكل مثل هذه المرافق هدفا مفضلا للقصف من لبنان، الأمر الذي يعرض السكان والمرافق المدنية الحيوية للخطر”.

من جهته قال الكاتب يوآف إيتيل، في تقرير على موقع “واللا” العبري، إنه على الرغم من نقل خزانات الأمونيا من المدينة، لكنه من المستحيل القول إنها ليست في خطر، فهناك أسباب عدة تقف خلف توجيه المنظمات أنظارها إلى “العاصمة الشمالية”. ونقل عن مساعد رئيس بلدية حيفا، أنه منذ خطاب نصر الله في بيروت في فبراير/شباط 2016، والذي قال فيه: “حيفا لديها 15 طناً من الأمونيا، حيث إن صاروخاً قد يحولها إلى قنبلة نووية، فإن تم تفريغ الحديد من خزانات الأمونيا.

مع ذلك، تظل الأمونيا واحدة من المواد الكيميائية الصناعية الأكثر شيوعًا وأهمية في العالم، فهي مادة خام للعديد من الصناعات، وتستخدم أيضًا في عملية إنتاج وتخزين العديد من المنتجات، كما أنها ضرورية لإنتاج الأسمدة، كما تستخدم في عمليات التبريد، ولهذا السبب، تحتاج العديد من المصانع في خليج حيفا إلى هذه المادة.

ميناء حيفا في قلب معركة “طوفان الأقصى”

خلال معركة “طوفان الأقصى”، وحتى وقت كتابة هذا التقرير، تعرّض ميناء حيفا لمحاولات لشن هجمات بواسطة طائرات مسيرة، ففي 3 مارس/آذار 2024 أعلنت “المقاومة الإسلامية في العراق”، المدعومة من إيران أنها استهدفت بطائرة مسيرة محطة المواد الكيميائية في ميناء حيفا. وفي 22 يونيو/حزيران 2024، قالت جماعة “أنصار الله” في اليمن إنهم نفذوا عملية عسكرية مشتركة مع المقاومة الإسلامية في العراق استهدفت أربع سفن في ميناء حيفا الإسرائيلي بواسطة طائرات مسيرة.

وتعرضت مدينة حيفا لقصف متكرر من قبل حزب الله اللبناني، كما هدد الحزب بضرب أهداف في ميناء حيفا، خصيصاً بعدما نشر مقطع فيديو لمواقع استراتيجية في الميناء تم تصويرها بواسطة طائرة بدون طيار تسمى “الهدهد”، حلقت فوق الميناء في 18 يونيو/حزيران الماضي، وقامت أيضاً بتصوير العديد من السفن الحربية ومنشآت الطاقة، مما دفع الاحتلال إلى تعزيز الإجراءات الأمنية فيه بشكل غير مسبوق.

في الثامن من أكتوبر 2024، أصابت صواريخ حزب الله مدينة حيفا وأدت إلى إصابة عدد من الإسرائيلين في أكبر رشقة صاروخية تتعرض لها المدينة الاستراتيجية، مما زاد من المخاوف من استهداف مينائها البحري.

ورغم هذه الهجمات والتهديدات، استمر الميناء في العمل مع اتخاذ تدابير أمان مشددة، خصيصاً مع تعطل ميناء إيلات، الذي أصبح خاوياً على عروشه بسبب الحصار الذي فرضته جماعة “أنصار الله” الحوثيين في اليمن على السفن التي تتجه للكيان عبر البحر الأحمر على مدار عام كامل.

 في النهاية، يعد الميناء عصباً رئيسياً للتجارة الإسرائيلية والصناعات البتروكيماوية، واستهدافه يعني إلحاق ضرر كبير بالاقتصاد الإسرائيلي والبنية التحتية.

ويحتوي الميناء على منشآت حساسة مثل مصانع الأمونيا والمصانع البتروكيماوية، التي قد يؤدي استهدافها إلى تدمير شامل وإحداث أضرار بيئية وصحية جسيمة.

موقعه الاستراتيجي سيظل يجعله عرضة للتهديدات، خاصة في ظل التصعيد المستمر مع حزب الله. في حال وقوع هجمات واسعة النطاق على الميناء، فإن ذلك قد يضر بشكل كبير بالاقتصاد الإسرائيلي ويؤدي إلى أزمة بيئية وصناعية مرعبة.